مغامرة (بلا خبر ^^) .. من الذاكرة أو ما تبقى منها ^^

(1)
ذات رمضان جميل ..
وقتها كنت قد أنهيت متطلبات السنة الأولى في كلية التربية بأبها لله الحمد بنجاح بعد نفسية سيئة بسبب تحويلي من الرياض ..
تم اختياري مسؤولا عن فرقة في المركز الرمضاني في ابتدائية خالد بن الوليد
وأيضا إماما مساعدا للتراويح في جامع سوق الخضار مع إمامه العمدة (الدويري) أيامها رحمه الله وغفر له ..
أخرج بعد الإفطار من منزلنا إلى بيت الصديق حسين مكرم في سيارتي الكرسيدا – كانت جديدة أيامها ^^ –
ومنها أوصله لمسجده في السجون عند نادي التهامي وأذهب للجامع وأعود له بعد الانتهاء فتارة نتعشى من طبخ أمه ومرة من طبخ أمي حفظهما الله ما لذ وطاب من المغشات والعيش الحامض والشفوت 🙂
– أجني جوعك وبكية وأنا أكتب في بلاد الستيك والبرغر 😦 –
ثم نتوجه للمركز الرمضاني ونتنقل بين البرامج إلى ما قبل السحور وكالعادة (قطة) بيننا مع مجموعة من الشباب ونتسحر في كورنيش الحزام بجانب المقهى
– طبعا قبل أوقات سعيدة والكورنيش وفي عز تكاثر البسس والفئران هناك ^^ –
بعدها نصلي الفجر في حارتهم وندور في الحواري نشاهد الشباب يمارسون لعبة كرة الطائرة ونمر جهة بحر العضيل وغوار ونرجع البيت مع حرارة الشمس …
تكرر هذا البرنامج معنا يوميا إلى ما قبل العشر الأواخر وكانت الجلسة معنا ممتعة جدا ولا تما وتسبب ذلك أيضا في حرماننا من رحلة العمرة بحجة أننا لم نكن قدوة حسنة للطلاب – وإلى الآن لا أعرف ما المعيار الذي اتخذوه وقتها –
ومثّل هذا القرار قمة القهر والاضطهاد والإحباط بعد نجاحنا في برامج المركز وإمامة المساجد وتحديا لهم قررنا وحسين الذهاب لليمن عند أخوانه في العشر الأواخر بدلا من مكة – مغامرة بلا خبر ^_^ ..
(2)
استكملنا تجهيزنا ونشرنا الخبر بين الجميع تحديا للسلطة أيامها المتمثلة في مشرفي المركز والحلقات – مراهقين مجروحين ومعذورين – وبعد إذن الأهل الذين اقتنعوا بالقوة بشرط عدم أخذ الكرسيدا فوافقت وتوجهنا فرحين في عصر ثاني أيام العشر الأواخر إلى منفذ حرض وكانت أول سفرية لي وحيدا – غير رسمية – وأوصلتنا الأجرة إلى منفذ الطوال والحماس يملؤ الأجواء ..
عند المنفذ قبيل المغرب ونحن في عجلة نريد اللحاق بالإفطار في اليمن ، أخذ موظف الجوازات يتطلع في ويتمحص ومن ثم أعاد لي الجواز وقال : ممنوع ارجع جيب إذن من الوالد ..
صدمت ورديت عليه بأن الوالد موافق فقال لا بد من موافقة خطية مصدقة من الجوازات أو الشرطة فانهارت أحلامي فجأة وطبعا تلك الأيام لا توجد جوالات ولا حتى بياجر 😦
لا عمرة ولا سفر – شكلنا انطقينا بعين قلت لحسين – لكنه بمرحه المعهود أشار علي بالعودة وجلب الموافقة وقال لي بالنص : مسافرين مسافرين ^^
افطرنا في أحد المسارحة في أحد المطاعم – شوربة بلا طعم وكريمة طعمها (فيري) وخبز بر يبغاله مطرقة من قسوته 😦 – وصلنا بعدها لجيزان مع نهاية التراويح وما وجدنا أحد في البيت بحي الروضة ونزلت البلد ولله الحمد وجدتهم في بيت جدتي ، رفض الوالد في البداية ثم وافق بعد إلحاح شديد وذهبنا بعدها نمشي للعمدة (الدويري) فكان نائما فانتظرناه خارج منزله – وشناطنا معنا – حتى خرج بعد ساعتين وأقنعته بحكم معرفته بي من المسجد بالختم بدون التوجه للشرطة أو الجوازات ..
الساعة الآن الواحدة ليلا ومع أن الجميع أشار لنا بالسفر بعد الفجر لكن العناد المعتاد فينا قادنا مشيا لمواقف السيارات ومنها عودة لمنفذ الطوال متسلحا بالموافقة وعازما على السفر ولو تهريب ^^
(3)
خرجنا بحمد الله من جمارك الطوال ودخلنا جمارك حرض ويا لشدة دهشتي يومها – الكل مخزن : عساكر على مواطنين على موظفين حتى الكلاب ساكنة كأنها وقتها منكّبة – ودب الخوف في قلبي وأحسست كأنني في حارة الباطنية وكلها مجرد دقائق حتى يتم نهبنا وتخويفنا ..
عكس توقعاتي مرت الأمور بسلام وابتسامات متبادلة ووطأت قدماي أرض اليمن لأول مرة في حياتي والعام 1996 م وكأنني رجعت في الزمن عشرون عاما للسبعينات الميلادية ..
اشتركنا في هايلوكس جديد – يا للغرابة – ليوصلنا لقرية (شفٓر) وخلال ثوان من صعودنا التفت لأجد الحوض وحتى السقف ممتليء بمسافرين معنا ..
حضنت شنطتي وأخذت غفوة خفيفة مسافة الطريق حتى وصلنا مع تباشير الفجر للقرية التي لم نر فيها غير الفوانيس ولا أثر للكهرباء وانتظرت سماع أذان الفجر بدون فائدة حتى طلع الصباح – اكتشفت لاحقا حكاية المواطير التي تعمل لوقت محدود – وحسين هناك بدأ يتولى زمام التنسيق والمبادرة حتى أحسست كأنه معلمي في الابتدائية وأنا غر لا أفهم شيئا مما يدور حولي ^^ ..
وصلنا لبيت أخيه (نبيل) ودخلنا لغرفة في الحوش – مدري بيت الجيران ^^ ما عرفت أفرق من تداخل البيوت – واستلقينا على القُعُد هناك بدون مكيف ولا مروحة وما انتبهت إلا من أذية (الذباب) قبل الظهر وملابسي غارقة في العرق 😦
أخلاق أهل القرية وكرمهم وسعة صدورهم رغم حالهم البسيط أثرت في كثيرا وأحببت فيهم هذه البساطة وذكروني بحالنا في الماضي عندما كانت القلوب قريبة والجيرة لها حقها ..
عرض علينا (نبيل) الذهاب للحديدة على صهوة دبابة الجديد – طبعا الدبابات هناك أكثر من الحمير والسيارات ^^ – فاعتذرنا منه وتعرفت يومها أكثر على الصديق الحبيب الأديب محمد هيجة واتفقنا على الذهاب للحديدة ومنها لصنعاء ثم حجّة بحكم تخرجه من كلية اللغة العربية هناك وبدأت المغامرة الجديدة إلى مدينة الحديدة التي تكاد تكون التوأم الجميل لمدينتنا (جيزان)
(4)
انطلقنا بعد الفجر لتلك المدينة الجميلة والمزعجة في ذات الوقت – لم أشاهد ذلك الكم الهائل من الدبابات من قبل – توجهنا مباشرة لفندق وارتحنا فيه إلى قرابة المغرب ثم تناولنا الإفطار في مطعم شامي قريب من الكورنيش وقضينا باقي الوقت في كورنيشهم الجميل أستمع لقصائد محمد هيجة وذكريات دراسته وأخبار حسين ومواقفه التي لا تنتهي – سنجتمع يوما ما في نفس البقعة بإذن الله ..
سعادتي لا توصف في تلك الليلة ومن شدة حماسنا تناولنا سحورا خفيفا وتوجهنا لل(فرزة) – موقف سيارات الأجرة – وانحشرنا في بيجو قديم أظنه صنع قبل استقلال (فرنسا) – وقطعنا مشوار الحديدة صنعاء في تسع ساعات تعيسة بطيئة مظلمة كئيبة والكل يشخر بجانبي وأنا لم أستطع لا النوم لا القراءة ولا حتى رفع يدي لأحك أنفي الذي استغل هذا الموقف البئيس – ومن شدة انحشارنا وخوفي من السقوط في ذلك الظلام من طريق الجبل أدمعت عيناي لتذكري عذاب القبر ..
تكونت لدي فكرة سيئة عن (صنعاء) بحكم الطريق ولم أستمتع بلحظة الوصول ولكن تخفيف الشباب عني أزاح تلك المشاعر السلبية وذهبنا نبحث عن مسكن قريب من (باب اليمن) ..
بعد الظهر جمعنا الصلوات وتوجهنا لباب اليمن العظيم ورأينا صنعاء القديمة بجلالها وأسوارها وكأننا في عصر الإمام واستغربت كثرة الزبائل في مكان القليس ..
اشتد الزحام قبيل المغرب لكثرة المتسوقين ولحقنا موعد الإفطار في مطعم (الشلال) في آخر لحظة – فرع جيزان القديم كان نسخة متطابقة منه – با تفارقني ذكرى أكلي وأنا أضحك من الأسماء اللي أكلناها ومنها خبز تنور اسمه (كُدٓم) 🙂
من المطعم وصلنا باص صغير أشبه بال(تُكتُك) إلى متحف صنعاء وطيلة الطريق كان السائق يشتم في علي عبدالله صالح فاستغربت سكوت الشباب ووددت مناقشته فغمزوا لي – قالوا لي : مباحث – والحمدلله بقيت أهز برأسي إلى أن وصلنا هناك ..
صلينا التراويح ولم نتمكن من زيارة المتحف بسبب الصيانة فتجولنا في السوق لأخذ بعض الهدايا التذكارية التقليدية وأصررت على مواصلة السفر ل(حجّة) رغم التعب ورفض (بن مكرم) و(بن هيجة) وإكراما لي نزلنا بعد السحور مباشرة ولم نشعر بالطريق إلا ونحن في (تهامة) لدرجة لم تتذكر موضوع زيارة الكليّة والشاعر (أحمد سليمان) – قبل أن تنتشر قصائده الجميلة – إلا في (عبس) ..
ونمنا مجددا لصلاة المغرب وأعدنا نفس الروتين
إفطار – صلاة – ضيوف و تجمع للقات ومعاودة القسم والرفض التام مني ..
زارنا يومها شخص عجيب أخبرني بقصة عن الصليب النصراني مصحوبة بخدعة ورقية لا زلت أحكيها لطلابي إلى اليوم ويومها قال لي لن تعيش طويلا بسبب مرض فابتسمت – قالوا لي أنه ساحر معروف لكنه لا يضر أهل قريته وضيوفها ..
لم أنم ليلتها من حديث ذلك الساحر وعدت لقراءة وردي الذي أهملته في الثلاثة أيام الماضية وأعلمت حسين يومها برغبتي في العودة للمنزل بعد سفرنا المرهق ..
وصلت للمنزل بعد أن خفت حدة الحماس وزاد الاشتياق للمنزل وسكون غريب اعترانا في الطريق ..
راجعت فيه الأحداث كأنها شريط سينمائي أمام عيناي
-حرماننا من العمرة وعنادنا الغريب
– سفري لأول مرة
– جمال اليمن ومدنها وقراها وبساطتهم
– ذلك الساحر العجيب
توافقت نهاية الشريط مع وصولنا لبيوتنا من رحلة لن أنساها ما حييت 🙂

تمت بحمد الله

3 آراء حول “مغامرة (بلا خبر ^^) .. من الذاكرة أو ما تبقى منها ^^

  1. Farstar2015 كتب:

    مغامرة بلا خبر ^^
    بس حلوة
    تذكرت سفرتنا لليمن
    و فجعتنا من كثر الدبابات فيها
    😂
    شي حلو مشاركتنا لك ف ذكرياتك
    لا تبخل علينا بها
    كلنا شوق لمزيد من الذكريات 😉

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s