قرية مغضوب عليها … (من الأساطير الجيزانية)

IMG_2065.JPG

يوم هاديء في تلك القرية الوادعة ..
انتهى فيه سكانها قليلي التعداد من مهامهم اليومية الروتينية من زراعة وحصاد وطلب علم ..
اشتهرت منتجات تلك القرية بين باقي القرى في السوق الشعبي القريب منها بجودتها وضخامتها وحتى حيواناتها بلحمها الوفير ولبنها الغزير ، وأيضا بنبوغ وطلاقة أبنائها وجمال بناتها وانعزالهم عمن حولهم ..
صارت مضرب المثل بين القرى حولها ومثارا للحسد من بقية الشيوخ والأعيان والجيران ..
في منتصف ذلك اليوم سمع سكان القرية صوتا غريبا وهزة أشبه بالزلزال فانتابهم الخوف فأسرعوا الخطى عائدين إلى بيوتهم ..

****
مرت أشهر على تلك الحادثة ..
لاحظ كبير القرية أن منتجات الزراعة تزداد ضخامة وجودة ، وظواهر غريبة تنتشر بين أفراد قريته فالبشرة تزداد نقاء والذهن يزداد حدة، وحيث لا يوجد غرباء تقريبا فهم نفس العائلات التي استقرت منذ القديم في تلك الأرض ولم يرضوا بها بديلا ولا يصلهرون من خارج محيطهم، وكان ذلك مثار تساؤلات وسخط العديد ممن حولهم ..
قال له جده يوما أن أرضهم مباركة ولا يسكنها سوى من تختاره هي ..
لم يفهم يوما سر ذلك الحديث ..
عرّج على كبار العائلات ودعاهم لجلسة بعد صلاة العشاء في مسجدهم البسيط في منتصف القرية والذي كان مكانا للاجتماع ولتهذيب وتعليم الصبيان والفتيات ..
بلغهم مخاوفه وذكرهم بشيء لاحظوه جميعا لكن لم يجرؤ أحدهم على التذكير به وهو أن كبار القرية غالبا ما يتوفون في سن واحدة وفي سنة واحدة وخلفائهم في عائلاتهم يتم ترشيحهم على هذا المنوال ولم يخطر على بال أحد التنبه لذلك الأمر العجيب ..
كان ذلك العام هو الأول لهم كمسؤولين عن قريتهم ولم تخرج نصائح أسلافهم عن العناية بالأرض المباركة وهي بفضل من الله ستعطينا ما نحتاج إليه من فهم ورزق ..
التفت كل منهم إلى جليسه بجانبه والتقت أعينهم حيرى لكنهم بحكم تربيتهم قرروا الامتثال والصبر حتى يعرفوا الحقيقة عن أرضهم ..

****

داهمتهم هزة خفيفة بعدها بفترة ، ورؤى في المنام تخبرهم بسرعة إخلاء الأرض والتوجه للجبال لأن أصحابها قادمون إليها فقد انتهت الهدنة ، اجتمعوا وحللوا وصارحوا بعضهم لكن الأغلبية صوتت على البقاء فهم لا يعرفون أرضا غيرها ، وحتى من يخرج منهم للسوق والحج وطلب العلم لا يلبث أن يعود متغضنا متعبا ويتحسن تدريجيا بعد تعوده على هواء القرية وطعامها ومياه آبارها ..
استيقظوا في فجر اليوم التالي على هزة شديدة خرجت معها معادن متوهجة غريبة والأرض تبتلع المواشي والبيوت ، فحاولوا الهروب ولكن لم تمهلهم الأرض فابتلعتهم معها ..

****
انتشر خبرهم بين القرى وتعجبوا أن ذلك لم يحدث لأحد سواهم ..
انتشرت الشائعات حسدا وتشفيا بينهم فقيل غضب الله عليهم لأنهم وثنيون ويعبدون الشياطين وبين قائل بأنهم كانوا يسيرون على أحذية من خبز، وحاول الكثير أن يدخلها ليعرف سر الخسف ولكن شعورا مرعبا كان يسيطر عليهم كلما اقتربوا فأرجعوا ذلك لما عرفوه في الأثر عن تجنب أماكن السخط الإلهي ..
ومرت العديد والعديد من السنين ولا تزال أطلالها البسيطة المتناثرة والمحاطة بسياج لا تدري هل يحمي الناس منها أم يحميها من الناس، تغري النفوس بكنوزها المدفونة وتستثير العقول بألغازها وتحذر الأفئدة من يقترب منها …

تمت بحمد الله

5 آراء حول “قرية مغضوب عليها … (من الأساطير الجيزانية)

  1. خطوآت ملكَةة ♚♔ كتب:

    استمتعت كتير ب القراءءه استاذ وليد
    مزجج كتير حلوو م بين خيال و واقع
    ب انتظار المزيد من اساطيركك
    دمت ب سعاده 🌹

  2. عائشة اليامية كتب:

    تخيلت قصة هذي القرية تدمج مع قصة أبو سلاسل، ممكن اللي حصل لهم بسبب تحرره وعودته للانتقام .. مجرد فكرة خطرت ببالي وأنا أقرأها 😊

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s