استحالة …

IMG_5500
” – كل ما عليك فعله هو مرافقة ذلك الفتي الصغير ثم التخلص منه بداخل حقل الطاقة، مهمة صعبة وأشبه بالمستحيلة ولكني أثق كثيرا بقدرتك على تنفيذها .. “
هكذا خاطب المعلم الكهل تلميذه الفارس الأبيض ملقنا إياه آخر تعليمات مهمته المقبلة، قد تكون مهمته الأخيرة إذا لم ينجح في إنهائها وسيترتب عليها مستقبل جنسنا أجمع ..
***

(1)
لم يكن يتوقع أن تكون رحلته شاقة ومجهدة لهذه الدرجة، بدا وكأن كبر عشر سنوات في شهور معدودة، لم يسمح له باستخدام أي وسيلة للتنقل سوى السير على الأقدام كي يتحقق (السمو الروحي) المطلوب لإنجاز المهمة كما أمره معلمه، ولذا بوجبة واحدة يوميا وجرعات من الماء لا تسد عطشه وأميال تلو أميال تبدو كأنها بلا نهاية، وصل أخيرا لوجهته في تلك الغابة التي تتوسط ممالك الأرض، استقبله أحد المرشدين مع ذلك الطفل الذي قُيّد بإحكام وغُطّي عيناه وفمه بقماش مهتريء ثم رافقهما للمكان المنشود بدون أن ينبس ببنت شفة، لم يمانع الفارس ذلك فهو أكثر إجهادا من أن يتحدث عن أي شيء ..
– وصلنا.. المكعب أمامك، ربما لن نلتقي بعد اليوم، عد أدراجك من نفس الطريق حالما تنتهي ..
تأمل الفارس في الفراغ أمامه، لا يرى سوى الأشجار الباسقة التي تحجب ضوء الشمس إلا قليلا، أين المكعب يا ترى ؟!
بعد حيرة لم تستغرق دقائق، وضع الطفل بجانب الشجرة القريبة منه، قرر الجلوس في مكانه والتأمل وتذكر تعليمات معلمه عله يجد الإجابة ..
” – حقل الطاقة هذا يا بني، على هيئة مكعب (كامل) بمقاييس النسبة الذهبية في عالمنا، هو طاقة صرفة لا مثيل لها، لا يحتوى سوى الكمال والجمال، لا يتأثر بالظلام ولا بالسوء، لذا ستجد كل فكرة سلبية في داخلك تتلاشى بمجرد دخولك إليه، لن تسمح لك ذبذبات الطاقة بالداخل في أن تفكر بأي شر محض، ناهيك عن قول أشياء سيئة أو فعلها، ربما نصفها بدقة أكبر بأنها قطعة من الجنة، حيث الخير والإيجابية المطلقان، يختفي كل ما بالنفوس من نقص وعيوب، ويتجاوز المكعب المشاعر الإنسانية في ذلك إلى منع الضرر أيضا، فلو حدث حريق أو سوء حوله فلا يتأثر ويوفر ملجأً آمناً لمن يحتمي به ..
الشيء الآخر الذي يلزمك أن تعرفه عنه هو أن الدخول إليه يتطلب أعلى درجات التركيز، مارس تأملك إلى أن تجذب موجات الدماغ العليا ذبذبات مدخل الحقل وستجد طريقك إليه تلقائيا وسيدخل معك فقط كل من يلامسك مباشرة ويستقى طاقتك، كما أن الخروج منه يتطلب منك نفس التركيز وتصفية الذهن وحتماً لن تجد صعوبة في ذلك  .. “
لم يستغرق الفارس طويلا ليجد المدخل، تدريباته الشاقة وتأملاته العميقة، إضافة لجهد الطريق وقلة الزاد أضفت عليه تركيزا مضاعفا وتجاوزا للأحاسيس فرأى المدخل مباشرة ولم يكن يصدق ما يحدث أمامه، هذا يتجاوز كل الحقائق العلمية التي يعرفها ..
****
” – ستقوم حرب ضارية بين قوى الشر والخير في كوكبنا، لن يسلم منها بيت ولا بلد، بدايتها من طفل سيزعم أنه يوحى إليه، وستجري على يده معجزات لا قبل لنا بها، سيتبعه العديد من الخلق، وسينهي الأديان المعروفة ويبتدع دينا جديدا ويتحالف مع قوى الشر لتحقيق مآربه ..
سعينا كثيرا منذ مئات السنين نستقصي أثر هذا الطفل لنقضي عليه قبل أن تتحقق النبوءات، وجدناه أخيرا ولا توجد طريقة أخرى
للتخلص منه سوى في حقل الطاقة من قبل شخص ذو إمكانات معينة، اخترناك ودربناك لهذا السبب منذ صغرك، هذا هو الهدف الحقيقي من حياتك الآن، لقد ولدت لهذه الغاية، حقق مصيرك وانقذ عالمنا من الفناء “
*****
(2)
تموج الفراغ أمامه في منظر مهيب، وضع اصبعه مترددا فتشكلت دوائر متداخلة في الهواء وكأنما وضع يده في حوض ماء ساكن، ويا للغرابة فقد اختفت تقرحات أصبعه والتي أصيب بها في الطريق جراء سوء التغذية وقسوة المسير، عزم أمره واصطحب الطفل، وقف أمام ذلك الحاجز الجداري المتموج وأغمض عينيه وخطا خطوته الأولى لداخله ..
شعر بدفق هائل لا يدري كنهه، يجتاحه ويتغلغل في خلاياه أجمع، وكأنما أصابته صاعقة لكنها لا تحرق، مضت ثوانٍ معدودة استوعب عقله وجسده هذا التحول الغريب، لم يتغير شيء من حوله، نفس المناظر والأشجار الباسقة، لكن الهواء والطاقة هنا تختلف، تأمل يديه وقدميه، عاد كل شيء لطبيعته الكاملة وتجددت الخلايا التالفة حتى ملابسه أضحت جديدة كأنه اشتراها للتو، كما تحللت أيضا قيود الطفل الذي بدا غير مبالٍ بما يجري ..
قرر الانتهاء من مهمته فورا، لم يجد الخنجر الأثري في حزامه، التفت للطفل وقرر قتله بيديه العاريتين بخنقه إلى أن تنكسر رقبته الرقيقة، لم تطاوعه يداه، بدت فكرة القتل وكأنها من ذكرى بعيدة للغاية، ذكرى مشوهة الملامح، وكأنه يستحضرها من ذكرياته حينما كان طفلا رضيعا، لا نتذكر ما رأيناه وعشناه في ذلك السن، حتى لو خزن في عقلنا الباطن سيظل استحضاره صعبا جدا حتى بالتأمل العميق، رويدا رويدا تلاشت رغبة القتل بداخله، يشعر بالانتعاش والحبور، تمتلىء روحه بالمحبة لكل ما يراه حوله، يحب هذه الشجرة وهذا العشب وصرير الحشرات حوله الذي تحول في أذنيه لمعزوفة ربانية تمجد بحمد الخالق وحتى نظرات ذلك الطفل البريئة، ما ذنب هذا الطفل كي يدخل معي هنا لأتخلص منه ..
خاطبه الطفل بابتسامة غريبة :
” – لم تستطع القيام بمهمتك، أليس هذا صحيحا ؟!
أخبرتهم قبل هذا ولم يصدقونني، مهما بينت لهم من القدرات والمعجزات في العقود التي قضيتها بينهم، لدرجة أن حقيقة عدم تقدمي في السن لم تقنعهم، سيبدأ عمري الحقيقي عندما تحين اللحظة المناسبة فلم تحن ساعة موتي بعد، لذلك مهما عذبوني وحاولوا قتلي لن يتمكنوا، أوحيت لهم في عقولهم باحتمال قتلي هنا، في هذه البقعة الفريدة من نوعها التي سُخرت من قبل لحماية العديد من الشخصيات الخيرة التي أملت في مستقبل أفضل، لم أستطيع دخولها إلا بمرافقة قلب نقي آخر وعلمت أنه أنت ، استطعت اقناعهم بالتخاطر بأنه ليس هناك من سبيل آخر، أتدري،  لقد زرعت حتى اسمك وصفاتك قبل أعوام عدة في عقولهم لتكون أنت مرافقي هنا، لقد ولدت لغاية في هذه الأرض ولن أموت قبل تحقيقها فهذا قدري، ما لا تعلمه أيها الفارس أن هذا المكان كما أنه يستأصل كل المشاعر السلبية فهو أيضا لا يخضع للمقاييس الزمنية التي ننتمي لها ويعمل على مضاعفة القدرات التي حبانا الخالق بها نظرا لطاقته النقية، أما وقد وضحت لك فمن الأفضل ألا نضيع مزيدا من الوقت هنا ونخرج كلانا إلى العالم ونحقق قدرنا ..”
****
(3)
تجاوز ما يقوله الطفل إدراك الفارس وشعر بحيرة شديدة بددتها الطاقة العجيبة التي تحتويهم بداخلها ..
” – لكن قدري .. ماذا عن قدري .. وواجبي التي تدربت من أجله.. كيف أعود فاشلا خائبا .. “
رد عليه الطفل بابتسامة أوسع :
” قدرك هو أن ترافقني لنعيد الحق والخير لهذا العالم بعد أن تدمر تماما “
وجم الفارس لوهلة ولم يستوعب :
” تدمر تماما، ماذا تقصد ؟! “
أجابه الطفل :
” اصطحبني خارجا وسترى، لا نستطيع كلانا الخداع والكذب هنا فحريٌ بك أن تصدقني، لقد تم خداعك من قبل الكهنة الذين عشت معهم، هم من أرادوا تدمير العالم وهم من تحالفوا مع قوى الشر، ولأن النبوءات تواترت على أنني من سيوقفهم عند حدهم وأن الطريقة للتخلص مني مستحيلة لمن في قلبه سوء، لم يجدوا سواك ولم يعلموا أنني وراء ذلك الاختيار بالوحي الذي أعلمه، كلي يقين أنهم بدأوا مخططهم حينما دخلنا هنا، وسينتهي كل ذلك عندما نخرج “
مد الطفل يده إليه داعيا إياه للخروج، وبطواعية وسكينة أمسكها واصطحبه عبر الحاجز المتموج ..
اختلف المنظر تماما أمامه، احترقت الأشجار وجفت الأرض، وامتلأ صدره بالهواء الملوث، هل هذه النهاية التي سعى لتجنبها طوال عمره في خدمة معلميه ؟!
أمسك الطفل بيده مرة أخرى وقال :
” – أضعنا الكثير من الوقت، ربما عقدين من الأعوام أو أكثر، لا بد أن نذهب، لا تقلق، سيعود عالمنا نضرا هانئا كما كان، لقد انتفى الخبث وضَمُر الشر وسيسود الخير من جديد، هيا بنا .. “
انطلقا ليعودا من نفس الطريق الذي أتوا منه، وعقل الفارس يعتصر كي يستوعب كل ما حدث، لم يمضوا سوى سويعات معدودة في المكعب فكيف ومتى حصل ذلك كله؟!
بقدر ما هاله المنظر البشع والتدمير أمامه، بقدر ما تعجّب من آثار مسيرهم التي خلفوها ورائهم ..
 فالنباتات تنبت في آثارهم،
مضفيةً لمحة من
الأمل ..

 

رأيان حول “استحالة …

  1. خطوآت ملكَةة ♚♔ كتب:

    اشتقت ل ابداع اناملك ي أستاذي
    و حمدالله ع عودتكك
    😊

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s