(1)
-لكني أؤكد لك يا أمي.. لعلك مخطئة..
لا أشتم أي رائحة هنا خلاف البخور الكثيف (للمستكة)الذي وضعته جدتي ويكاد يخرج من أذنيّ، حتى صوت القرآن الكريم من الإذاعة تاه بين الدخان، أشك أننا في مقهى (معسلات) أو جلسة (ساونا)..
أمتأكدة يا أمي أنك تشمين رائحة (الشوب)، ربما الرائحة تصدر من أنفك..
كتم الجميع ضحكاتهم من استظراف الابن، احمر وجه الأم وهي تحرك شفتيها بغمغمات غير مفهومة، هذا هو اليوم الثالث على التوالي ولم تذهب الرائحة بعد، سألت الشيخ فقال لها أن (الجن) لا يحبون رائحة الشوب، فلذلك استبعدن خيار وجود (عُمّار) مؤذون بالبيت، وأمها تقول أن (الشوب) الذي يباع في (السوق الداخلي) لم يعد بذلك التركيز القديم والرائحة النفاذة، بل تم تلطيفه وتخفيفه لأسباب تجارية، لقد غشوا في العسل والسمن فما بالك ب(الشوب)..
-الرائحة موجودة وسأكتشف السر وراء ذلك .. (قالتها بصوت عالٍ أمامهم)
-أختي.. أخشى إن استمررت على هذه الأوهام أن آخذ كل عطورك الغالية، فلن تستفيدي منها على أية حال مع هذا الأنف المميز..
ضحك البقية بصخب بينما عبست الأم وهي تحادث نفسها بأنها ستسكب عطورها في أرجاء المنزل قبل أن يستولي عليها أحد، ربما فعلتها وتشم شيئا مختلفا هذه المرة أو على الأقل ستحرم أختها الثرثارة من التنعم بثروتها العطرية الأثيرة لديها..
****
(2)
عادوا في مساء اليوم الرابع إلى المنزل، وقفت الأخوات ومعهن الأبناء وجدّتهم في البهو، أخذوا نفساً عميقاً، لا جديد، ولا رائحة تذكر، الهدوء يعم الأرجاء وصوت القرآن توقف، هناك من سحب (السلك) الكهربائي الخاص بالمسجل، اتهمت الجدة أحفادها الأشقياء وكلهم ينكرون ذلك، البخور تحول إلى رماد..
توجهت أنظارهم إلى (الأم) التي استنشقت الهواء من حولها في تركيز شديد، شهيق وزفير تبعه شهيق وزفير أعمق، هزت رأسها في خيبة أمل، سألوها في حماس إن كانت لازالت تشتم رائحة (الشوب) في الأجواء، وبدا أنهم ينتظرون التأكيد كي يتهكموا عليها مثل كل ليلة..
-لا يوجد شيء، الرائحة اختفت، حتى رائحة بخور (المستكة)..
فرحوا بذلك وأصر الأبناء على العودة للمنزل فلقد افتقدوا غرفهم وألعابهم، وافقت على مضض وهي تلقي نظرة أخيرة قبل أن ترجع لبيت أمها وتحضر حاجياتهم، استقرت نظراتها على الباب المفتوح للمنوَر القريب من المطبخ، تقدمت في هدوء وأقفلت باب المنور وباب الشقة لتلحق بأهلها..
*****
(3)
-هل رأتك ؟!
-لا
-الحمدلله.. انتهت مهمتنا بسلام إذاً..
-ماهي الخطوة المقبلة؟!
-لا شيء.. حقيقة اشتمامها لرائحة القطران الخاص بنا برغم أنه من مادة غير معروفة لجنس البشر، تدل على إحساسها العالي والذي يفوق من حولها.. المهم أننا بهذه الرائحة قضينا على كل التواجد الشيطاني لهولاء العمّار المفسدين، تعبت من إقناعهم بأن حقيقة سكن جدهم الأكبر في هذا المنزل لا يعطيهم الحق للسكن فيه، خصوصا مع تاريخهم المليء بالمشاكل وترهيب الناس، لن يستطيعوا العودة قريبا بمشيئة الله فهم لا يطيقون رائحته..
-هل يعني ذلك أن السكان في أمان الآن..
-نعم، سنبقى لعدة أيام قبل أن نعود ونرفع تقريرنا بما حصل، حاول أن تبقى خفيا عن أعين الأطفال ولا تلاعبهم فهم يروننا كما تعلم..
-ولكنهم في قمة البراءة وأشكالهم جميلة وأحب إضحاكهم..
-التزم بالمهمة كما أمرت، فلا نريد أن تشك (الأم) في أي شيء..
وووه ياربي منك
تموت ع الرعب 😱
😅