(1)
جذبته الرائحة العطنة عن بعد، قوّس ظهره وانطلق كالسهم متتبعاً أثرها، أضفى نور القمر مهابةً على الظلال الحية، اقترب أكثر من مصدر تلك الرائحة، وأكثر بحذر متصاعد، توارى خلف شجيرة مات ظلها، رأى تلك الجثة الرابضة بلا حراك بينما تمزقها مخالب ذلك الكائن الذي لمحه في لحظة فتوقف عن نهش الجثة، التقت عيناهما الخاليتان من البياض، خطا نحوه بقامته الفارعة وذلك الكائن يحاول تحليل واستيعاب ما يرى، لم يسبق له أن رأى مثله، جسد انسان ضخم يعلوه رأس ذئب مزمجر، تراجع إلى الوراء ووقف على قامته متأهباً للاشتباك، حضرت المشاعل تباعاً يصحبها ضجيج وصياح من ثلة من البشر، اضطربت خطواتهما بين اندفاعٍ للقتال وبين هروب آمن، آثرا تأجيل المواجهة لوقت لاحق وانطلقا كل في جهة، سمعوا صراخ الناس على الجثة من خلفهم ومنهم من يقسم بأن هذا من فعل (النباش) وآخرون يقسمون بأنهم رأوا (أبو كلبان)..
(2)
وقف الحاج (أحمد) قبيل الغروب متكئاً على شجرة يحاول استيعاب ما جرى البارحة، لأول مرة يشعر بالتهديد، كان كالملك غير المتوج في المنطقة، ثروة وصيت وغموض، كان يشتم رائحة الموت فيسعى وراءها متخفياً متنكراً يوحي لأهل الميت بصوتٍ أشبه بالفحيح (تحليت بك)، كناية على أنه سينبش قبر الميت، طوال تلك العقود لم يشك بأمره أحد، اعتبروه أسطورة وكائناً مرعباً من عالم الجن والعفاريت، لم يعلموا بأن ما يفعله هو علم، وعلم سحيق سبق البشر، علم ال(نكرومانسي) بأكل الجثث واستجلاب أسرارها، تنتابه قوة غريبة حينما يأكلهم، يكتسب قوتهم ونظرهم وسمعهم وأسرارهم وكنوزهم بطبيعة الحال، حينما أفشى خادمه السر لزوجته، لم يستطع التضحية بمكانته وسره، قتل زوجة خادمه في منزلها ثم أحرقها وجر خادمه بعدما اقتلع لسانه وعينيه وابتلعهما وقتله في هذه البقعة بالذات، مزقهما شر ممزق كي لا يتعرف عليهما أحد ويحفظ سره بأمان، ولكن ما لم يحسب حسابه هو ذلك الكائن المخيف الأشبه بذئب يمشي على قائمتين والذي واجهه وهو يختم طقوسه، تراوحت مشاعره ما بين رعب حذر ورغبة في العودة للمنزل والانعزال حتى زوال هذا الخطر، وبين فكرة مجنونة لقتل هذا الكائن وأكله ومعرفة أصله واكتساب قدراته، ذئب على هيئة إنسان، ما مقدار القوة التي سيحصل عليها؟ نصيب هائل بلا شك وقدرة غير مسبوقة، سيغامر وينهي الصراع بداخله فهي فرصة لا تتكرر، هي منطقته والحيوانات الرئيسة لا تسمح باختراق نطاق سيطرتها، سينتظر قدوم الليل ومعه ذلك الكائن ليتخلص منه، وهذه المرة بسرعة وهدوء حتى لا يعود الأهالي كما حصل الليلة الفائتة..
(3)
لم يقو (لياثن) على إغماض عينيه منذ البارحة، لكم يثير البشر غضبه واشمئزازه، قوانين الطبيعة تحتم على الحيوانات احترام غرائزها الطبيعية، فلا تجد حيواناً يهاجم بني جنسه إلا ما ندر، أما أكلهم والتغذي عليهم فهو تعدٍّ محظور ينافي ما جُبلوا عليه، أما البشر، هؤلاء البشر، لا يحترمون قانوناً ولا ناموساً، يقتلون ويسلبون ويتهجمون، ويشعرون بالتهديد من بقية الكائنات، وياللسخرية فهم يقتلون غيرهم لهذا السبب، لكن ما رآه البارحة هو مختلف لدرجة الرعب، بشري يأكل جثة بشري آخر، في الضوء الخافت رأى أنياباً حادة ومخالباً، هذا المنظر أربك كل ما يعرفه مسبقاً عن البشر، يحتاج لأن يواصل طريقه إلى عائلته، الطريق طويل ووعر، لكنه لا يستطيع تجاوز هذا التهديد، سيواجه هذا الكائن وينتقم فيه نكاية بالبشر الذين طاردوا عائلته وقبيلته إلى أن اختفوا في جوف الأرض، ستكون مواجهة متكافئة عنوانها الأنياب والمخالب ..
(4)
أسدل الليل خيطه الأخير، وقفا قبالة بعضهما، واشتبكا بعنف، مالت الكفة كثيراً لـ(لياثن)، ضربة في صدر الحاج (أحمد) ثقبت رئتيه، أخرى اقتلعت أنيابه من فمه، أحكم قبضته على رقبته ورفعه تمهيداً لفصل رأسه عن جسده، رغم قوة (أحمد) التي تعادل عشرات الرجال من جنسه لكنها غارت تحت تأثير خصمه، في خطوة يائسة أخيرة، ركل ركبة (لياثن) فقطع وترها، صرخ (لياثن) ووقع مقتلعاً معه قلب (أحمد) الذي تفتت في مخالبه، سمعا صياح البشر، تراجع (لياثن) يجر قدمه بصعوبة يبحث عن مخبأ، بينما استلقى (أحمد) يلفظ أنفاسه الأخيرة خاشياً على أسراره من الصعود مع روحه..
اعتبر الأهالي موت (أحمد) بفعل النباش كما صار للجثتين اللتين مزقتا بالأمس، حملوه للمقبرة، دفنوه، و(سعيد) معهم..
لن تنتهي سلطة النباش بهذه الصورة، استجمع (أحمد) ما تبقى من قواه بعد اقتلاع قلبه، مزق كفنه وشق طريقه خارج القبر، لمح (سعيداً) يقترب، قضم قطعة من جسده وأطعمها إياه بالقوة، سيتكفل ذلك بنقل كل أسرار روحه وضحاياه التي جمعها إلى (سعيد)، سيموت (أحمد) لكن النباش لا بد أن يعود..
ههههههههههههههههااااي ضحكني أن أحمد خرج من القبر وكشم سعيد..
باقي تكملة القصة حق سعيد في قصة (نكرومانسي) 😊
اعرف ناس مؤمنين بكذا شغلات واساطير لدرجه يكلمونك عنها وهم واثقين انو حادثه واقعيه بس طبعا كل شخص وبهاراته..