البعد السابع (تشويقة 2)

تشويقة من رواية (البعد السابع)

****

بان الرضا على ملامحه حينما سهمت متفكراً فيما قال، ثم أردف:

-دعني أضرب لك مثالاً آخر..

ومن العدم ظهر كتاب ضخم يحوي آلاف الصفحات على الطاولة التي تفصل بيننا..

-هلا قرات العنوان ؟!

رغم أن اللغة المستخدمة تحوي أشكالاً معقدة لكنني قرأتها بسهولة تامة مما أثار استغرابي..

-المسار السادس والتسعون بعد الألف، ماذا يعني ذلك ؟!

-سأشرح لك بالتفصيل، افتح الصفحة الأولى، ماذا ترى ؟!

-صفحة بيضاء كأرواح العاشقين، هناك نقطة صغيرة سوداء في منتصف الصفحة شوهت بياضها..

-لنعتبر أن هذه النقطة هي البعد الصفري.. اتفقنا.. اقلب الصفحة..

قلبت الصفحة فوجدت صفحة بيضاء أخرى ونقطتين..

قلت:

-هناك نقطة أخرى..

قال لي:

-لو وصلنا النقطتين ببعضهما، سينتج ماذا ؟!

كان ردي البديهي:

-خط.. سيكون هناك خط بين النقطتين..

-هذا الخط هو البعد الأول، البعد الخطي.. اقلب الصفحة..

-هناك ثلاثة نقاط متباعدة..

-وصل بينها..

-أصبحت خطين، وكأنهما طول وعرض، هذا البعد الثاني صحيح..

-أحسنت.. نعم طول وعرض.. ماذا عن البعد الثالث إذاً.. اقلب الصفحة.

كانت هناك رسمة، تمعنت فيها، تذكرني بمشهد مألوف، فوجئت بأنه بيت الطفولة في حينا القديم، القطط المستلقية عند ظل النخلة الوحيدة، اطفال يلعبون هنا وهناك..

-تأمل أكثر..

وكأنه يقرأ أفكاري، رأيت نفسي في منتصف الصورة، ألعب غير آبه بالحرارة العالية..

-هل رأيت ذلك، نقط ثم خطوط ثم تجسمت، أنت في البعد الثالث الآن، البعد المجسم، طول وعرض وارتفاع وهذا ما يتكون منه عالمنا، نحن نعيش في البعد الثالث، افتح الآن أي صفحة عشوائية في منتصف الكتاب..

فتحت ووجدت صورة في تلك الصفحة، ارتجفت يداي، هي صورتي في هذه اللحظة، وهو أمامي، ذات الطاولة، ذات الكتاب ونحن ننظر لذات الصفحة..

-ولكن كيف، كيف ؟! كيف عرف الكتاب أننا نجلس هنا ورسم كل التفاصيل بدقة؟!

-هذا هو البعد الرابع، بعد إضافة الزمان والمكان أو كما يسمى الزمكان، لو قلبت صفحات الكتاب ستجدها مرتبة حسب مراحل حياتك وفي كل صفحة صورة وموقف وذكريات..

-هل تعني أن بقية الكتاب يتحدث عن مستقبلي..

-نعم

-هل أستطيع أن أرى ؟!

-نعم تستطيع، ما الذي يمنعك ؟!

تجمدت يداي، خفت من النتيجة، آثرت أن أتجاهل رغبتي الملحة فسألته:

-ماذا عن البعد الخامس ؟!

-ماذا عنه ؟!

-أليس في الكتاب ؟!

-لا

-أين إذاً ؟!

-نحن فيه الآن..

توقف عقلي لوهلة، كيف ؟! ماذا يقصد أننا في البعد الخامس ؟!

-لم أفهم ؟!

-أترى جلستنا الآن، أمامنا كتاب حياتك، الماضي والحاضر والمستقبل، نراقبه من علو، هذا هو البعد الخامس، أن ترتقي فوق خط حياتك الزمني، فوق الطول والعرض والارتفاع والزمكان، تستطيع أن ترى الماضي والحاضر والمستقبل سويةً، وهذا هو تفسير حلمك الذي أردت، لقد كنت َ وقتها في البعد الخامس..

كان الموضوع أكبر من استيعابي لكنني تجرأت أيضاً وسألته:

-هل هناك أبعاد أخرى ؟!

-طبعاً، هناك بعد سادس ولكن هذا سيكون حد علمنا، البقية لن تستوعبها عقولنا..

ساورني الفضول فقلت:

-أين هذا البعد السادس إذاً ؟!

-انظر حولك..

ظهرت مكتبة كبيرة أحاطت بنا، قمت وطالعت في كتبها، كلها ذات الكتاب الذي كان على الطاولة لكن بعناوين مختلفة، فسألته:

-كلها كالكتاب الذي على الطاولة، صحيح؟!

-نعم، هذه كل المسارات المختلفة والاحتمالات التي تحددها انت لحياتك..

-لم أفهم ؟!

-تعال

قلب الصفحة من الكتاب على الطاولة، صورتي وأنا أطالع واقفاً في المكتبة..

-خذ الكرسي وضعه بجانبك وقف عليه واسحب كتاباً من الأعلى..

فعلت ذلك، طار الكتاب الذي على الطاولة واستقر مكان الكتاب الذي سحبته..

-افتح الآن الكتاب الذي في يدك..

فتحته على صورتي وأنا أقرأ الكتاب واقفاً على الكرسي، سألته في لهفة:

-ماذا يعني ذلك ؟!

-يعني أن قراراتك هي من تحدد الكتاب الذي يسجل تفاصيل حياتك، كل قرار تتخذه أو ستتخذه موجود في هذه الكتب من قبل أن تولد، أنت فقط من يحدد أي كتاب تريد..

-أتعنى أن هذا الكتاب هو…

-نعم، هذا هو مثال على القضاء الذي تعيشه..

-وبقية المكتبة هي …..

-مثال على فكرة القدر يا وليد.. القدر.. كل ما تراه حولك هو ذلك، كل ما تتخيله أو تعمله لن يحيد عن هذا العلم ..

-أتقصد أن اللوح المحفوظ هو القدر وهو البعد السادس..

-فضاء الاحتمالات، كل الاحتمالات يا وليد.. لكن ليس بنفس الشكل الذي رأيته لأنه في علم الله وهذا فقط مجرد تبسيط..

وفي لحظة اختفى كل شيء، الكتب والمكتبة والطاولة والكراسي، عدنا لنفس المكان الذي بدأنا منه حوارنا وكان لدي سؤال جديد وملّح..

6 آراء حول “البعد السابع (تشويقة 2)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s