نتناول اليوم البلاءات التي تحدث عنها القرآن الكريم في سورتي الأعراف والإسراء والتي كانت بمثابة الآيات البينات دعما لحجة سيدنا موسى عليه السلام على الطاغية فرعون الذي استكبر وطغى برغم كل ذلك..
نتحدث عنها من وجهة نظر تاريخية من العهد القديم وتاريخ منطقة حوض المتوسط قبل الميلاد ونختم بالنسخة القرآنية وهي الأصح بلا أدنى شك..
نبدأ أولا بالفرق بين ابتلاء وبلاء، فالابتلاء من الله للناس من عباده المخلصين ويأجرهم على صبرهم في الدنيا والآخرة ونجدها كثيرا في قصص الأنبياء وأبرزها قصة سيدنا أيوب عليه السلام، أما البلاء فغالبا ما يكون عقابا أو آية أو نتيجة طبيعية لإهمال البشر، وتسميتها المباشرة في اللغة الإنجليزية Plague ويتضح لنا التشابه اللفظي بين المصطلحين مما يدلنا على أنها مشتقة من الكلمة العربية لوصف البلاء العظيم الذي حل بأوروبا في العصور المظلمة وهو الطاعون الأسود الذي فتك بثلث سكان أوروبا..
وفي سفر الخروج تحكى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون وعندما رفض أن يطلق بني اسرائيل سلط الله عليه وعلى مصر هذه البلاءات المشهورة وعددها (عشر) بالرواية التوراتية وهي على ترتيب حدوثها :
الحيوانات البرية والتماسيح، تحول الماء إلى دم، الضفادع، القمل والذباب، وفاة المواشي، الأمراض الجلدية، عواصف البرد والصواعق، الجراد، الظلام العظيم، وفاة الأبناء ..
تختلف قليلا هذه الرواية عن الرواية القرآنية ونظرا لما تعرضت له التوراة والإنجيل من تحريف فلا نستغرب ذلك..
عندما اكتشف علماء الآثار لفافات من البردى من عصر الأسرة ال19 بها قصائد ترجمها العالم آلان جاردنير وتحكي تلك الأحداث والبلاءات التي حدثت لمصر وتصفها بأنها كوارث طبيعية لم يسبق لها مثيل، سارع العديد من العلماء الذين لا يكنون الود للكنيسة لدحض الرواية التوراتية بأنها تدخل رباني، وماهي سوى نتائج طبيعية للكارثة الكبرى التي حدثت وقتها وهي انفجار بركاني عظيم في جزيرة ثيرا باليونان وصلت آثاره لجميع الدول المجاورة ومنها مصر، وأن البلاءات هي نتائج طبيعية، فتسمم الأسماك أطلق الحيوانات المفترسة والتماسيح من قاع النيل، والدماء التي سفكت بسبب ذلك حولت المجرى لنهر من الدماء، تبعها خروج الضفادع هربا من مصيرها، ثم الذباب والقمل ليتغذوا على الحيوانات والأسماك والضفادع الميتة، وتبعها موت الماشية من عدوى الحشرات، ثم مرض البشر في جلودهم، وهجرة الجراد لمصر بحثا عن الغذاء، ثم العواصف والظلام من تأثير انفجار البركان وآخرها وفاة الأبناء لضعف المناعة مع الأحداث المتتالية..
وجسد العديد من الفنانين في العصر الرومانسي والقوطي في القرن التاسع عشر هذه البلاءات في لوحاتهم مثل جون مارتن وجوزيف تيرنر وهانديل..
يبقى أن نؤكد على الرواية القرآنية للآيات التسع وهي:
القحط، نقص الثمرات، الطوفان، الجراد، القمل، الضفادع، الدم، عصا موسى التي لقفت عمل السحرة، واليد البيضاء
لا أرى تعارضا بين القصص أعلاه، فآيات الله وبلاءاته إن كانت معجزات خارقة للطبيعة أو كانت كوارث طبيعية فكلها من تدبيره ومشيئته سبحانه وكلها من جند الرحمن جل وعلا ولا يعلم جنود ربك إلا هو سبحانه ..