(أحمد) شابٌ يعمل معلما، تعين قبل عشر سنوات براتب جيد..
في جلسة معتادة مع أصدقائه بعدما تعيّن معلما في أحد المدارس القريبة من قريته، تناقشوا عن الضرورات الحياتية وأيها يأتي أولا من حيث الأهمية، بناء منزل أم الزواج أم الاستثمار في مشروع صغير أم الترفيه عن النفس، هناك من أصر على الترفيه قبل الزواج خاصة أن الحرية محدودة بعد دخول القفص الذهبي كما يطلق عليه، وأحدهم قال أن البناء أهم خاصة أن التكاليف ليست عالية كثيرا، والآخر أصر على استثمار المبلغ وأن ذلك سيعينه مستقبلا على بقية التكاليف، اتفقوا واختلفوا واحتار معهم (أحمد)، في الأخير رضخ لرغبة أهله في تعجيل الزواج، فارتهن ثلاثة أرباع راتبه بين أقساط البنك والسيارة والجمعيات ليوفر قيمة الزواج وتجهيز عش الزوجية السعيد..
كان يسمع من القصص الكثير بعد زواجه عن ارتفاع الأسعار وانهيار الأسهم وارتفاع البترول وغيرها، تجاهلها فهو في (همّ) تسديد ديون زواجه، وسيتفرغ لاحقا للبناء وما شابه، حصل على فرصة للإيفاد في دولة مجاورة وبمميزات مالية جيدة، قرر التوجه لها والاستفادة من هذه التجربة ووضع هدفا له تجميع مبلغ نصف مليون ريال لشراء أرض ثم البناء عليها حيث أن التكلفة في تلك الفترة لا تتجاوز هذا المبلغ، حدد المنطقة التي سيشتري منها وعرف أسعارها مع سعر المقاول والتكاليف اللازمة لإنشاء دور واحد مع ملحق ..
بعد خمس سنوات وأحلام وردية وأهداف عالية، وفّر المبلغ، حضر للبلد منتشيا بإنجازه، تفاجأ بأنه سيحتاج لمئتي ألف ريال إضافية لتحقيق حلمه وحلم عائلته، إضافة لأن بعض الأسعار الأساسية للسلع زادت، كانت تكفيه ألف ريال لاحتياجيات البيت لشهر كامل، الآن يحتاج لألف ريال أخرى معها، استشار أهله والمقربين، قرر البداية بشراء الأرض والبناء عليها مع استخراج قرض من البنك يعينه إلى أن يأتي دوره في استحقاق البنك العقاري الذي لا يبدو بأنه سيستلمه قريبا، تحسنت الظروف الاقتصادية للبلد ولا تزال الأسعار في ارتفاع..
انتهى العام الماضي من بناء منزله وبتكلفة تجاوزت التسعمئة ألف ريال، لا يزال راتبه مرهونا لقرض البنك وقسط السيارة واحتياجات العائلة، والأسعار في ازدياد مع هبوط أسعار النفط، سأل صديقا له عن تفسير هذا كله، ولماذا انخفضت قيمة الريال وزادت الأسعار باستمرار..
أجابه بكلمة واحدة وهي (التضخم)..
والتضخم في الاقتصاد له تعريفات عدة وأبرزها ارتفاع الأسعار المستمر تأثرا بعدة عوامل منها انخفاض القيمة الشرائية للعملة مقابل بقية العملات وارتفاع تكاليف استيراد وصناعة المواد الأساسية والاستهلاكية واعتماد البلد على مصدر وحيد للميزانية وأحيانا يكون الفساد واستغلال بعض التجار والعقاريين للعرض والطلب فيتم رفع السقف الأعلى للشراء إلى مستويات غير مقبولة، وهو مؤشر خطير خاصة أن معدلات الرواتب غالبا ثابتة ولا ترتفع بارتفاع الأسعار، وقد وصلت في بعض البلدان لئلا يكفي الراتب لأساسيات الحياة، الحل ليس فرديا بل يكمن في الجهود الحكومية للارتقاء بالاقتصاد وإعادة الحياة للعملة المحلية، والحل الفردي يكمن في العيش في حدود إمكانيات الدخل وعدم المجاوزة والاقتراض للتغلب على تأثير (التضخم) على حياتنا..