A song of ice and fire
إنه العنوان الرئيسي لسلسلة الروايات التي بُني عليها المسلسل الشهير (لعبة العروش game of thrones)
وهي من إبداع الكاتب الأميريكي القدير جورج آر آر مارتن المولود في 1948م في ولاية نيوجيرسي، وقد أصدر ما يقارب 26 رواية وكتب قصص قصيرة، تدور أغلب أحداثها في قوالب الخيال العلمي والرعب والفنتازيا، وحصل على العديد من الجوائز كما مر بالعديد من الاخفاقات ومن بينها الجزء الأول من سلسلة أغنية النار والثلج والذي لم يكن على لائحة الأكثر مبيعا حينما أصدره قبل عشرون سنة تقريباً، يحكي مارتن عن تلك الفترة بأنه كان يصل لتوقيع الكتاب في مكتبات معينة ولا يجد أحداً في انتظاره ، لكنه لم ييأس بل واصل مسيرته إلى أن تربع حاليا على العرش الورقي لكُتّاب هذا القرن، ويلقب حالياً في مسقط رأسه ب(تولكين) الأميركي، تشبيها بالكاتب البريطاني الكبير مؤلف الرواية الملحمية (سيد الخواتم)..
يلخص العنوان تقريباً فكرة الرواية، سيفهم قصدي من شاهد المسلسل الشهير أو قرأ الروايات -والتي إلى تاريخ نشر المقال لم يصدر الجزئين الأخيرين منها- حيث تسير الأحداث إلى مواجهة حتمية بين (الثلج) و(النار)، صدر منها للآن خمس روايات وهي (لعبة العروش) – (صراع الملوك) – (عاصفة السيوف) – (وليمة الغربان) – (رقصة التنانين) ويتبقى جزئان وهما (رياح الشتاء) – (حلم الربيع)..
من الصعوبة بمكان سرد فكرة الرواية -التي تندرج تحت قالب الفانتازيا في الأدب الروائي – في مقال واحد، سأحاول التحدث عن أصل الروايات التاريخي وتشابهها مع واقعنا، وتاريخ الأحداث، وأنبه على أن الأحداث تقع في عالم افتراضي به شمس لا تشبه شمسنا وقوانين لا تطابق قوانيننا وتستمر فيها المواسم أعواماً وليس أشهراً كما هو الحال في عالمنا..
(الشتاء قادم) و (يجب على الرجال أن يموتوا) هما أشهر شعارين في هذه السلسلة ويعرفهما كل المتابعين، فالكاتب القدير كما يعرف المتابعون يفاجئنا في كل مرة بقتل شخصية محورية، ويبرر ذلك بأنه يريد أن يكون واقعياً، فلا يوجد بطل مطلق ولا شر مطلق، بل مسارات يختارها شخصيات الرواية ويتحملون نتائجها..
لم تحتو رواية في التاريخ من قبل على هذا الكم الهائل من الشخصيات، فهناك فرسان وملوك وممالك وصراعات وأسر حاكمة ومقاتلون همج وحراس وطوائف دينية وموتى أحياء وتنانيين وسحرة وكهنة وعمالقة وعبيد ومخلوقات غريبة وأديان عدة، حتى بلغت الشخصيات بالمئات، وكان خيال الكاتب استثنائيا حينما ربط بينها جميعاً في قالب أخاذ يهيئ لمن يراه بأنه يتحدث عن إقطاعيات القرون الوسطى في بريطانيا وأوروبا وما يميزها من صراعات على الحكم ومؤامرات مال وسلاح وأسر إقطاعية وتعصب للأديان، وما يلبث إلا أن يرى عالماً مختلفاً بكل المقاييس، حتى وصف احد المتابعين هذا العالم بقوله (إما أن الأحداث تدور في جوف الأرض، أو كوكب آخر، أو في عالمٍ موازٍ، برغم التشابه الشديد مع تاريخنا)..
تقع الأحداث في قارتين متقابلتين (ويستروس) و (إيسوس)، وتشبه الأولى في الخرائط الخيالية للرواية جزر بريطانيا مجتمعة ويقابلها الثانية ما يشبه دولة تركيا ولكن على نطاق اكبر ويفصل بينهما البحر ومضيق ضيق في الجنوب كان ممراً في السابق، ويتضح من اسميهما أنهما مشتقان من الغرب والشرق، نجد في قارة ايسوس تسعة مدن أو ممالك وأشهرها برافوس وبينتوس وفولانتيس وأطلال مدينة فاليريا التي دمرت، وفي قارة ويستروس هناك سبعة ممالك رئيسية يحكمها ملك واحد على العرش الحديدي في العاصمة كينغز لاندينغ وأشهر العائلات المالكة هي عائلة ستارك وشعارهم الذئب وعائلة لانيستر وشعارهم الأسد وعائلة باراثيون وشعارهم الغزال وعائلة تارجاريان وشعارهم التنين وعائلة تيريل وشعارهم الترس وهناك العديد من العائلات الصغيرة حولهم مثل غريجوي وتوللي ودورن..
تتصارع هذه العائلات وتتحالف بشكل مباشر وغير مباشر للسيطرة على العرش الحديدي للسبعة ممالك، يساعدهم العديد من الفرسان والكهنة والوزراء والمستشارين، أبرز هذه الشخصيات: ليتل فينجر و فاريس اللذان يعتبران من وجهة نظري ونظر الكثير من المتابعين أخطر شخصيتين وهما من يديران كل الصراعات من وراء الكواليس، والساحرة ميليساندرا التي تتنبأ بالأحداث المستقبلية، والقزم المنبوذ (تايرون لانيستر) أذكى شخصيات الرواية..
هناك أيضا حراس الليل الذين يعيشون في الشمال ويحرسون الجدار الجليدي الضخم الذي يبلغ كيلومترات ليفصل الممالك عن الهمج والموتى الأحياء وأطفال الغابة، ولهم دور محوري في الأحداث، وغالبية الحرس هم محكومون سابقون خيروا بين الاعدام والانضمام لحرس الليل ولا تنتهي خدمتهم حتى الموت بلا زواج ولا عائلة..
تتطور الصراعات بين العائلات، فعائلة باراثيون كانت الحاكمة بعد ثورتهم المشتركة مع بقية العائلات على عائلة تارجاريان التي سيطرت بالتنانين والسحر على (ويستروس) والتي لم يتبق منها سوى (داينيرس – أم التنانين) – ابنة الملك المجنون الذي تمردت عليه العائلات – والتي تحاول العودة للعرش بعد نفيها لقارة ايسوس، فيتولى الأخوة من عائلة لانيستر الحكم وأبنائهم من آل (بارثيون) وأمهم (سيرسي لانيستر) بعد إقصاء عائلة ستارك وبقية العائلات عن طريق مؤامرة الأب وأبنائه ويحاول آل ستارك العودة عن طريق الابن الفارس (جون سنو) والابنتين (سانسا) و(آريا) التي تتعرض للعديد من الاختبارات الشخصية التي تطور قدراتها القتالية..
يعترف الكاتب بأنه اقتبس بعض مجريات الرواية من التاريخ الانساني، فالمتطرفون من أتباع الأديان مثل جماعة (سباروز) مأخوذة من الكاثوليك واليهود الفريسيين والخوارج والنازيين والذين يجبرون الملك أن يحكم بحكمهم، أما الصراع بين أديان الآلهة القديمة والآلهة السبعة فشبيه بصراع الكاثوليك والبروتستانت، وحراس الليل عند الجدار هم مثل فرسان الهيكل، والرجال بلا وجوه هم قتلة على غرار الحشاشين، و(داينيريس) – المنبوذة والعائدة لعرشها مع جيشٍ جرار – تمثل ثيمة الناجي الأخير من العائلة الحاكمة مثل صقر قريش في تاريخنا و هنري السابع الذي نفي لفرنسا، والأبناء غير الشرعيين والذي يطمحون للملك يذكرنا بأبناء الجواري في ثيمة متكررة في التاريخ، أما هجوم الموتى الأحياء (الزومبي) فهو كناية عن أحداث نهاية العالم..
أيضا هناك أحداث مثل الزواج الدموي التي اقتبسها من مجزرة جليسكو، أما حرب الممالك السبعة فيما بينها فمأخوذة من حروب الوردة التي استمرت لعقود في بريطانيا، بينما عائلة لانيستر تشبه عائلة لانكستر البريطانية وعائلة ستارك شبيهة بعائلة يورك..
يتبقى عليك عزيزي القاريء مشاهدة المسلسل أو قراءة الكتب لتعيش هذه الأجواء الفانتازية والتي تطمح جميعها للعرش الحديدي..
منتجا وكاتبا المسلسل ديفيد بينيوف ودانيال وايز عرضا على المؤلف جورج آر مارتين تحويل الروايات إلى مسلسل، رفض في البداية لأنه قد عمل فترة في التلفزيون وكتب حلقات بعض المسلسلات ويخشى أن يفسد العمل الرواية، وبعد إلحاحهما سألهما سؤالاً واحداً وهو إن كانا يعرفان من هي أم (جون سنو)، وفي ذلك الوقت لم يفصح عن المعلومة بعد في الرواية، فلما أجاباه وافق على العرض، وأنتجا أفضل مسلسل في تاريخ التلفزيون وقد شاهده ملايين المشاهدين من كافة البلدان وكسب مئات الملايين حتى اللحظة ولا يعيب عليه سوى بعض المشاهد الفاضحة والدموية..
في الجزء الثاني من المقال سأستعرض تاريخ الأحداث التي لم تذكر في المسلسل إلا تلميحاً، فإن كنت عزيزي لم تشاهد أو تقرأ عن الأحداث من قبل، فإلى هنا ينتهي المقال لك 💐..