وداعاً أيها العراب..

حالة من الصدمة ما تزال تعتريني كلما رأيت كلمات الدكتور أحمد خالد توفيق والذي نسميه نحن قراؤه بالعراب..

في البداية أدعو الله أن يجمعنا به في الجنة وأن يغفر له ويرحمه ويحسن مثواه..

آلاف من المغردين والقراء والأصدقاء شيعوه إلى قبره، ومنهم من تصدق عنه بآبار ومنهم من اعتمر عنه في نفس يوم وفاته، ومنهم من رثاه وكتب عنه واقتبس من كتاباته، حقّاً أن محبة الناس لا تشترى بالمال أو السلطة أو حتى الحزبية..

أعتبره قدوتي في عالم الكتابة منذ أن عرفني عليه صديقي المثقف الحقيقي “يحيى قبع”، فالدكتور أحمد هو السبب في تنوع قراءاتي في صغري مع أنيس منصور والدكتور نبيل فاروق لأن آفاقي توسعت بفضلهم، ويحز في نفسي أن بداية مشواري في النشر تزامنت مع لحظة رحيله وكنت أتمنى أن أهديه شخصياً مجموعتي القصصية الأولى “من البرزخ أحدثكم” عرفاناً له..

أحتاج إلى مساحة كبيرة لأبث حزني ومشاعري ولكنني سأتمالك نفسي وأعرفكم عليه أكثر..

هذا الطبيب الفذ أستاذ أمراض المناطق الحارة، والذي خلّد تخصصه وشغفه في سلسلة “سفاري” في شخصية الدكتور علاء عبدالعظيم الذي ينضم لمنظمة أطباء بلا حدود ويواجه أشرس أمراض المناطق الحارة في قلب أفريقيا، وخلّد شغفه بالروايات العالمية في سلسلتي “روايات عالمية للجيب” و “فانتازيا” مع بطلتها عبير التي تدخل جهاز الأحلام وتنتقل من عالم فانتازي روائي إلى آخر في كل مرة، وخلّد شغفه بالماورائيات في سلسلة الرعب “ما وراء الطبيعة” وبطلها الطبيب المسنّ رفعت اسماعيل الذي يواجه الأساطير والمصاعب والخوف والقلق على كل ناصية..

هذه هي الروايات والسلاسل التي عرفتنا في البداية على هذا الكاتب الفذ والعبقري، ثم تعمقنا أكثر في كتاباته مع سلسلة “www” المكونة من خمس روايات بطلها فيروس كمبيوتر ذكي، ومجموعة قصص الرعب “الآن نفتح الصندوق” من ثلاثة أجزاء، وسلاسل الأعداد الخاصة مثل الرائعة “في كهوف دراغوسان” والتي ستقرؤها كأنك في متاهة ولغز يحتاج إلى حل..

أما الكتب التي جمعت مقالاته التي كان يكتبها في عدة صحف فهي ممتعة للغاية وستشعر فيها كأنه يتحدث عنك، مذكراته كطبيب في الصعيد وفي مستشفيات القاهرة وطنطا وفي عوالم المؤسسة العربية الحديثة وعن الثورة والعلوم وعن السينما والتلفزيون والحنين، فمن الكتب التي تستحق القراءة هناك “زغازيغ”، “فقاقيع”، “شاي بالنعناع”، “ضحكات كئيبة”، “الغث من القول”، “وساوس وهلاوس”، “الحافة”، “دماغي كده”، “الآن أفهم”، “شربة الحاج داوود”، ” عقل بلا جسد” ، “ESP” ، “الهول”، “أفلام الحافظة الزرقاء” و”قهوة باليورانيوم” والتي تنبأ فيها بتاريخ وفاته، وآخر كتبه “اللغز وراء السطور” والذي اقتنيته من معرض الكتاب الماضي كآخر إصدار قبل وفاته مع روايته الأخيرة “شآبيب”..

أما رواياته فتشمل أيضاً “السنجة”، “يوتيوبيا”، “في ممر الفئران”، “مثل إيكاروس”..

الدكتور أحمد خالد توفيق هو كاتب موسوعي قدم لنا في ربع قرن ما شكّل جيلاً كاملاً من القراء في مصر والدول العربية..

ليس ذنبه أن العديد لا يعرفونه فهو لا يهرطق ولا يتعد الحدود الدينية والعقائدية والجنسية في رواياته، ليس ذنبه أنه يكتب من القلب فنقرؤه من القلب، ليس ذنبه أنه لا يكتب للنخبة المزيفة ولا يعنون كتبه بعناوين تشبه طلاسم القبالاه والتلمود وتحاكي نصوص النيكروميكون، ليس ذنبه أنه لا يتماهى مع انبثاقة الليلك في وضح العتمة ولا يتسامى مع ارتعاشة الغسق في لحظة التجلي، ليس ذنبه أنه يكتب للشباب والكبار، ولا يدّعي النخبوية ويطلب مثلهم مقابلاً خيالياً مقابل كتبهم المعقدة والتي تبقى في المكتبات إلى أن تختمر وتتحول لمخطوطات تافهة، وليس ذنبه أن الإعلام لم يسع إليه كما يستحق..

هذا العبقري لو كان في دولة غير عربية لرأيتموه في مرتبة كافكا وموراكامي وديستوفيسكي وماركيز وكوليو وستيفن كينج وجورج مارتن مجتمعين، ولرأيت كتبه في أضخم الأعمال السينمائية والتلفزيونية ولتحدث عنه عشاق الكتب الأجنبية بجنون كما نعشقه نحن بجنون..

إلى عرابي وقدوتي ..

أحبك..

وأحبك الله الذي أحببتنا فيه نحن قراؤك..

رأيان حول “وداعاً أيها العراب..

  1. 1 كتب:

    كم تألمت كثيرا لألمك لأنني أعلم أنك تحبه رغم أني لا أعرفه وأنت أول من عرفني عليه

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s