قررت الشجرة أن تضع خليفة لها فتمخضت عن بيضة بلون ترابي مزيج من ألوان الخشب والطين والرماد، ألقت عليها سيقانها وجذورها ورعتها إلى أن فقست عن برعم صغير..
كبر البرعم في كنف أمه الشجرة، استطال واستغلظ، قرر أن يتحرر فسحب قدميه من وطنه وخطرت له الفكرة أن يطير، احتضن شجرته وجرى بأقصى ما يستطيع و..
طار..
نبت له جناحان..
صار فراشة..
بلون أخضر زاهي يشبه عين فاتنة سمراء..
طارت وطارت إلى أن حطت رحالها على يد إنسان حائر في العراء، ارتعب من شكلها رغم جمالها وأطبق بيده عليها، لم تكن تتوقع غدره فسقطت على الأرض واستحالت فأساً..
حمل الفأس ومضى يبحث عن الشجرة، وجدها تندب بيضتها التي صارت برعماً وطارت بعيداً، لم يرحمها، واطلق عليها الفأس يمنة ويسرة، ارتعد الفأس فتفتت في يد الإنسان وصار تراباً، عرفته الشجرة فحذت حذوه وعادت للأرض تراباً، تحرك التراب تحت الإنسان فبدأ يغرق، صاح بصوت بعير حزين لا يريد الموت، نما من طرف التراب برعم، استطال واستغلظ في ثواني وسحب قدميه وأمسك بالإنسان وطار وصار فراشة وأسقط الإنسان الذي تندم على فعلته..
اقتربت الفراشة من يده فأخذها ووضعها في رأسه فصارت عقلاً، تعاونا معاً لإعادة الحياة للشجرة، قامت شجرة وأخرى وأخرى معها، يتمخضون عن بيضهم الذي يفقس براعماً تكبر ولا تريد أن تتحرر فأصبحوا أشجاراً، جاءت الطيور فحطت أعشاشها على الأغصان، ووضعت ثمارها، غارت الأشجار، هم فقط يصنعون الثمار وليس الطيور، حكم الإنسان وعقله الفراشة بينهم بأن يبيض الطير وأن تصغر بيضة الأشجار فتصبح بذرة وينتجون الثمار لترعى البذور بجوفها..
عمت السعادة الأشجار والطيور، فرح الإنسان وأخرج الفراشة من عقله ليشكرها فصارت إنسانة جميلة، أحبها وأحبته، شهدت الأشجار والبراعم والطيور والثمار والبذور عهودهما المقدسة..
عاشا برهة من الزمن بينهم، مات الإنسان عن كبر فعمر الأشجار أكبر من عمر الإنسان، دفنوه في المنتصف، وقفت عليه زوجته تندبه، عادت فراشة، تحركت بعصبية، سقطت وصارت برعماً، قاومت وعادت فراشة كما كانت، ضعيفة هزيلة لا حول لها ولا قوة، سقطت فصارت فأساً، خاف الفأس من التراب فعاد فراشة مجدداً، لم تحتمل الفراشة فدفنت نفسها في قبر الإنسان وصارت برعماً، ثم انكمشت على نفسها وأصبحت بيضة، تفتتت رغماً عنها فعادت للقبر..
بعد أيام، نبت برعم مختلف مكان القبر، استطال واستغلظ، شاهدته الأشجار ينمو فمدت جذورها، كبر البرعم وصار شجرة، تمردت على واقعها، صارت تثمر ولا تبيض، أصبحت شجرةالمعرفة..