كوكتيل لندن / واشنطن

أغادر الليلة إلى مدينة نيويورك للمشاركة في المعسكر الدولي الثاني للكشاف المسلم في كامب مينسي بولاية بنسلفانيا مع وفد جمعية الكشافة السعودية..

زيارتي الأولى للولايات المتحدة كانت قبل 14 عاماً في 2004 على وجه التحديد، كنت أحد المشاركين في برنامج فولبرايت الدولي بترشيح من وزارة التعليم والسفارة الأميركية في السعودية وكانت أول محطة لي هي مطار دالاس في واشنطن دي سي..

كانت الرحلة مليئة بالمواقف الغريبة والمخجلة والتي أتذكر تفاصيلها لهذه اللحظة..

سافرت بعد زواجي بشهرين تقريباً تاركاً إياها بكل فقد تخوض العام الأخير قبل التخرج من الجامعة..

قبل السفر يومها ي الصالة الشمالية -حيث أن مسار رحلتي على الخطوط البريطانية من جدة لمطار هيثرو بلندن على الخطوط البريطانية ثم على خطوط يونايتد إلى العاصمة واشنطن – تم تغريمي ألف ريال قيمة الوزن الإضافي (ثلاث حقائب)، لم يكن هناك سبيل للتملص وحب الخشوم كما كنا نفعل مع أصدقائنا في الخطوط السعودية وقتها، اضطررت لدفع المبلغ وإلا فاتتني الرحلة والبعثة معها وأخرجت الملابس الفائضة في حقيبة رابعة ..

قبل دخول الطائرة قبض الأمن متلبساً على عبوة عطر العود والتي جاءتني كهدية زواج (ميدالية مفاتيح على شكل خنجر صغير)، حاولت إقناع الضابط أنني لن أقدر على إيذاء شخص برائحتي لكنه أفادني بمنع كل الأشكال التي على هيئة أسلحة بما فيها ألعاب الاطفال، تضمخت بنصف مافيه وأهديته الخنجر بما تبقى ليتذكرني به..

وصلت لمطار هيثرو أحمل حقيبة ملابس، حقيبة دبلوماسية صغيرة فيها أوراقي المهمة والجواز والتذاكر، وحقيبة اللابتوب، ولكم أن تتخيلوا صعوبة التنقل بها، وضعت الحقائب على مقعد بجانبي بجوار بوابة طيران يونايتد في انتظار دوري..

ولأن الطبيعة لا ترحم فقد أُجبرت على تلبية النداء والذهاب لدورة لمياه، استثقلت حملها جميعها معي فتركت حقيبة الملابس على المقعد وذهبت، وحالما عدت كان هناك شرطيان على المقعد يبحثان عن صاحب الحقيبة، بعد اطلاعهم على جوازي (السعودي/ الأخضر) لشاب يسافر للولايات المتحدة على متن طائرة بعد ثلاث سنوات من أحداث سبتمبر 2001، ولكم أن تتخيلوا نظرات الشك والاحتقار على ملامحهم، استدعوني لغرفة التحقيق، كلب يشم الحقيبة، وأظن أنفه تأذى من رائحة العود في ملابسي، فرغوا كل احتياجاتي، أعادوا قراءة المستندات مراراً والتي تنص على أنني عضو في برنامج دولي وأن قدومي للولايات المتحدة هو دعوة من حكومتها، أطلقوني بعد ساعتين من التحقيقات فرتبت ملابسي على عجل، بقي ساعة على الإقلاع..

أمام بوابة الدخول، الإرهاق بادٍ على محياي، مزق الموظف بطاقة الصعود وطالبني بالتنحي جانباً لحين التأكد من شرطة المطار، دخل الركاب أمامي وأنا كمن سرق بنكاً وقتل صاحبه وعلقه على الخزنة، كمجرم عتيق لا بد من تخليص العالم منه، حضرت شرطة المطار وألغت الإنذار عن بياناتي، وحيث أن مقعدي قد تم منحه لراكبٍ آخر قررت أن أبحث عن وسيلة أخرى للمغادرة، أخذت حاجياتي وتوجهت خارج البوابة لكن الموظف ناداني وابتسم واعتذر مني في لقطة تشبه أفلام هوليوود وقرر منحي مقعداً آخر في درجة رجال الأعمال كتعويض عما صار ..

عالم مختلفٌ تماماً عما اعتدته، المقاعد فخمة فوق الوصف، مريحة وواسعة ليست كمقاعد الدرجة السياحية التي تشبه كرسي الحلاق، نصف ساعة وأنا استكشف المكان وجاري الأوروبي يراقبني باهتمام، حضر المضيف بعد الإقلاع يطلب مني اختيار وجبتي، اخترت طبق السالمون مع كوكتيل، لم أذقه من قبل لكنني كنت أخشى الوقوع في محظور..

حضرت الوجبة، ميني ساندوتش به قطعة لحم – اكتشفت لاحقاً أنها ham – وشريحة سالمون صغيرة مع سلطة وعصير برتقال – أذكر تماماً أنني طلبت كوكتيلاً لكن لا يضر، سأستمتع بوجبتي، ومن أول رشفة من العصير – كنت عطشاً كبئرٍ جاف – فقدت حاسة التذوق واختفى صوتي ، وكأنني أشرب برتقالاً ممزوجاً بالعطور الرديئة التي نعطر بها أيدينا في مطاعم الطرق البرية، ما هذا ؟!

ناديت المضيف وجاري يضحك في صمت، أنا طلبت كوكتيلاً فما هذا ؟!

أخبرني المضيف بلباقة بمحتويات الوجبة، وأن العصير هو كوكتيل برتقال مع فودكا، ما يزال صدري يحترق وهو يتحدث بهدوء كأننا في مكتبة ، طلبت منه كرماً إحضار مشروب غازي وماء، وتولى جاري مهمة إخباري بأن الساندوتش يحوي لحم خنزير ليزيد الطين بلة، جاري أمريكي مسلم من أصل بوسني يعمل مهندساً للاتصالات مع البنتاجون وكما أخبرني لاحقاً كانت رائحتي تذكره بسبحة جده التي أحضرها من رحلة حج..

حدثني طويلاً عن واشنطن وعن نظام المدينة، وكأنني صديقٌ قديم، تحدثنا عن كرة القدم الحقيقية وليس الأميركية، عن هوليوود، عن نيويورك والتي تمنيت بشدة زيارتها بعد حديثه عنها، وها أنا أزورها هذا الشهر للمرة الرابعة..

وصلت لواشنطن، ودعنا بعضنا، اقتادني ضابط الجوازات والهجرة للتأكد من مستنداتي خاصة بعد الحادث الذي صار في لندن، ست ساعات من الانتظار حتى تم السماح لي بدخول الولايات المتحدة، توجهت مباشرة لمنزل البرفسور ماركو المشرف على البرنامج والذي استضافني لعدة أيام إلى أن وجدت مكاناً مناسباً عند رجل أثيوبي، وهذه قصة أخرى ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s