كما تغنيها ليزا مانيلي في الفيلم الشهير بنفس العنوان (New York New York) مع روبرت دينيرو وقبلها غناها الأسطورة فريد استير، يا لها من مدينة..
هذه زيارتي الخامسة لها، حفظت شوارعها من أفلام سبايدرمان والعراب وفي كل مرة أرى وجهاً متجدداً لها كأنها شخصية خالدة لا تموت، أجيال تلو أجيال عاشت فيها وغادرتها وهي لمّا تشيخ بعد، رغم حزنها على المهاجرين الذين تم نبذهم على شواطئها في القرنين الماضيين، وبرجا التجارة الذين انهارا بفعل فاعل، وتنازع المافيا الايطالية والايرلندية عليها لكنها صمدت، هذه التفاحة الكبيرة كما يسميها أهلها تستقبل في أحضانها كل الأطياف رغم قسوة الظروف، وأتحدى أن تجد مدينة في العالم مثلها تصلّي بكل لغات الأرض..
زيارتي الأولى لها كانت في عيد الشكر 2004 مع رفيقين من البعثة السعودية، تقابلنا في العاصمة واشنطن حيث أسكن، ذهبنا لمحطة القطار ونزلنا في Penn Station في منتصف مانهاتن والتي تصنف بأغلى أرض في العالم نظراً لوجود الشركات المالية فيها في وولستريت، مانهاتن جنّة حضارية مقارنةً ببقية الأحياء بروكلين وهارلم وكوينز، ففيها ميدان التايمز سكوير مقر أشهر احتفالات نهاية وبداية العام الجديد، ورئة نيويورك حديقة سنترال بارك، وأكشاك السجق hot dog والفلافل والمطاعم الشرقية والعربية في كل شارع تقريباً وأذكر أنني قابلت طبيباً عربياً في كشك منها يكسب رزقه إلى أن يجتاز امتحان التصنيف ليتم الاعتراف به طبيباً..
كنا مدعوون لمنزل عائلة في ساحل نيوجيرسي لنتذوق التاريخ قبل أطباقهم، نتذكر معهم المجاعة التي أصابت المهاجرين البروتستانت في القرن السابع عشر حين وصولهم للعالم الجديد هرباً بعقيدتهم فأنقذهم السكان الأصليين (الهنود الحمر) وساعدوهم في زراعة الحقول فاحتفلوا بعيد الحصاد مع حلفائهم، كانت الحضارات القديمة في مصر واليونان وروما تحتفل بحصادها في أيام محددة بالسنة كما نحتفل نحن بمهرجان المانغو والحريد والفُل، في عيد الشكر يجتمع أفراد العائلة ويصطحبون ضيوفاً وكنا نحن هذا العام ضيوف هذه العائلة الكريمة كما نفعل نحن في الافطار الرمضاني..
زيارتي الثانية كانت في 2005 لحضور مؤتمر عن دور اللغة في تقارب الحضارات، سكننا في فندق فخم عريق لا يحضرني اسمه، كنا عشرة عرب في محيط من الجنسيات فقد شاركت أكثر من سبعين دولة وكان الفندق محجوزاً لنا بالكامل وكان من نصيبي في رفقة الغرفة شاب مكسيكي يعمل مخرجاً سينمائياً، في تلك الزيارة زرت متحف الشمع للشهير مدام توسو لأول مرة، رأيت كل شخصيات العالم مجسدة بالشمع وأدق التفاصيل ولا يبق لها سوى أن تسير وتتحدث معنا، وقفت بحوار بيليه ومايكل جاكسون وبراد بيت وبيل جيتس، وحضرت لأول مرة في حياتي عروض ال 5D، في تلك الزيارة أيضاً دخلت برودواي لأول وآخر مرة -حيث أن وقتي لم يكن يسمح في بقية الزيارات- وكانت المسرحية الرائعة Mamma Mia هي اختياري بعد منافسة شرسة مع مسرحيات Wicked و The producers و The Lion King، ربما اخترتها بسبب أغاني فرقة Abba التي تذكرني بالطفولة، أذكر أيضاً في تلك الزيارة ذهابنا لتمثال الحرية ومتحف التاريخ الطبيعي ومتاجر المجوهرات في شارع اليهود..
زيارتي الثالثة في نفس العام كانت مختصرة واقتصرت على التايمز سكوير وتناول العشاء هناك في طريقنا إلى مدينة بافالو لمشاهدة شلالات نياجرا، أذكر في تلك الرحلة أنني افترقت عن أصدقائي بحثاً عن هدية، ولطافة التعامل من أهل تلك المدينة الصغيرة بجوار سيراكيوز، ولاحقاً فوجئت بأن جميع سكان تلك المدينة هم يهود ومعارضون لوجود الكيان الصهيوني..
زيارتي الرابعة في 2010 مع عائلتي لأول مرة، كنا في واشنطن لحضور حفل تخرج المبتعثين، كنا نخطط لزيارة نيويورك بعد الحفل مباشرة، عاشت أسرتي معي نفس اللحظات والذكريات وزرنا التايمز سكوير ومتحف الشمع وحديقة حيوان سنترال بارك وتناولنا البرغر واقفين في شيك شاك، الزحام الخانق اضطرني للوقوف في مواقف مدفوعة، فقدت الايصال بعد جولتنا ورفضوا تسليمي السيارة إلا بعد حضور مشرفهم الذي تأكد من وجود جوازاتنا بداخلها..
أحب هذه المدينة وسأرى ماذا ستحمل لي هذه المرة من أحداث وذكريات..