في طريقنا إلى الجامعة مساء الأمس، هطل المطر شديداً كالطوفان، ربما نحن من شعرنا بأنه كذلك بينما الماليزيون عدّوه نزهة لطيفة اعتادوا عليها، ما أحزننا هو لجوء بعض سائقي وراكبي الموتوسيكلات تحت الجسور انتظاراً لانتهاء السحب من صبّ أحزانها عليهم فيعودون للطريق وملابسهم تتقاطر وتحتاج لعشرة شموس كي تبخر الماء الذي التصق بها..
أما كثرة الموتوسيكلات في ماليزيا فلافتة للنظر -نسميه الدبّاب في لهجتنا المحلية ونطلق الاسم أيضاً على سيارة نصف النقل الصغيرة فنقول دبّاب ودبّابة والكلمة الأخيرة ليس لها علاقة بالغوريلا الحديدية التي تدمر في الحروب – على مهل – كل من يتجرأ على مقابلتها، ولا أقصد هنا الدراجات النارية الحديثة التي تنطلق كالسهم فيقفز قلبي من مكانه مرتعباً من صوتها ومن مصير قائدها إن فقد سيطرته عليها..
أظنها ثقافة عالمية من السبعينات كانت لدينا وانقرضت فلم أعد أشاهدها سوى في موسم الحج، أتذكر أنني كنت أراها في الأفلام المصرية والهندية القديمة ولا بد من موتوسيكل يتركه صاحبه لدقيقة فيأخذه البطل – تلطيف للفظة يسرقه – بينما يطارد المجرم في الفيلم ويترك الموتوسيكل في مكان غير معلوم تاركاً صاحبه في رحلة عبر المتاهة الحكومية التي لا تنتهي لاسترجاعه ويقضي الأمر بتخليه عنه فلا بد أن هناك ضباعاً بشرية وجدته وفككته وباعته..
يبقى حلماً في العالم الأول أن تقطع القارة على صهوة موتوسيكل، في أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية، يذكرني ذلك بالفيلم الأرجنتيني عن مذكرات رحلة الموتوسيكل التي قام بها الثائر تشي جيفارا في شبابه..
أجد أن الدول التي تعتمد على العمالة المحلية هي الأكثر استخداماً للموتوسيكلات، العامل المبتدئ يقتني واحداً ليصل للعمل مبكراً كي لا يقع تحت رحمة الباصات والازدحام الصباحي، كذلك موظفو التوصيل، وطلاب الجامعة، سيفكر لاحقاً في اقتناء سيارة مستعملة تناسب احتياجاته، ثم سيارة جديدة بالتقسيط، وكما نرى هاهي الرأسمالية الهرمية تلعب دورها في تلك الدول..
كنت أرى في مدينة الحديدة نسخة من مدينتي جيزان القديمة، أصوات (الموتوسيكلات)/ (الدبابات) التي لا تهدأ، ولعل الجيل الحالي لا يعلم أن الموتوسيكل كان الوسيلة المفضلة للتنقل لجيل الشباب في السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات، قبل الغزو الياباني بسيارات تويوتا الرخيصة وقتها وقبل الارتفاع الفلكي لأسعارها الحالية..
أخبرني والدي بأنه اقتنى (موتوسيكل) من أول راتب له كمعلم ليذهب للمدرسة في قرية (المعبوج) كل صباح، كان المدير هو الوحيد الذي يمتلك الملاءة المادية الكافية لاقتناء (سيارة)، بقية الموظفين كانوا يأتون بالموتوسيكل أو يشتركون في (سيارة) نظراً لندرة محطات البنزين أما الطلاب فإما مشياً على الأقدام أو على حمار أو في (حوض) سيارة نقل يحملون أحلامهم تاركين العمل في الحقول للآباء حتى يعودون..
في التسعينات حينما استوعبت دائرة الحياة، لم يتبق في حينا من أصحاب (الموتوسيكلات) سوى سبعة أشخاص، البقية أصبحوا من مالكي السيارات، وشيئاً فشيئاً اقتنى الكل سيارة رغم ضيق الشوارع، لذلك عندما ذهبت لأول مرة إلى مدينة الحديدة عادت لي الطفولة ولو للحظات..
اسألوا آباءكم وأخوتكم الكبار عن تجاربهم مع الموتوسيكل، سأكتفي أنا بمراقبة العابرين كل صباح متساءلاً عن اللحظة التي سيقرر فيها تحقيق حلمه بشراء سيارة يصطحب فيها حبيبته بجانبه ممسكاً بيدها بدلاً من أن تكون خلفه تحيط به في أمان وسط رعب الشوارع..
احب الموتوسيكل ولكن لا اعرف قيادته، واتوق لركوبه مع حبيبه تتقن القيادة، لاحتضنها من الخلف وتمضي بي في طرقات الحياة.