عبودية (الألفا) و(اللهو الخفي)

لا حقيقة مطلقة غير الخالق عز وجل وما أمرنا به بأن نعبده ونؤمن به ولا نشرك معه أحدًا ، ومن أبرز الحقائق والحقوق التي أكّد عليها ديننا هي أنك يا (ابن آدم) حُرّ، طالما لا تؤذي أحدًا..

حُرّ في معتقدك، في فكرك، في تصرفاتك، في رحلتك في هذا الدنيا، أنت مخيّر لأنك من تقوم باختيار مساراتك، وتصنع سيناريوهات حياتك، لكنك بذات الوقت مسيّر لأن جميع اختياراتك لن تخرج عن (فضاء الاحتمالات) ولن تحيد عن علم الله عز وجل في (اللوح المحفوظ)، لذلك كل شيء يحصل لك يتلخص في قدرتك على (حرية الاختيار)..

نحن كـ(بشر) مزيج مذهل من كل شيء في الكون، جسدنا يحتوي معادن تكونت في مصانع النجوم وسافرت على صهوة مذنبات ونيازك لتستقر في الأرض ثم في أجسادنا، لدينا قبس ملائكي يفرح بالخير والجمال والطاعة، وطيف شيطاني يتنازعنا نحو اللذة والأذية، وطبيعة حيوانية تبحث عن السيطرة لتكون في اعلى الهرم الغذائي وتحب التواجد في قطعان وأسراب وجماعات..

ومن أبرز الخصائص التي تمتاز بها المملكة الحيوانية وجود الحيوان (الألفا Alpha)، هذه الكلمة التي تعني الحرف الأول في الإغريقية، المسيطر، القائد، الملك، الذي يقود قطيعه للأمان وللغذاء ويقدم له أفراد قطيعه فروض الطاعة والتسليم، لكن هناك نوعان ظاهرة من (الألفا)، نوع (قائد) يسعى لخدمة قطيعه، ونوع (مفترس) يسعى لأن يخدمه قطيعه..

النوع الأول (القائد) في مجتمعاتنا البشرية يمثل الأنبياء، الدول، الملوك، الروساء، الزعماء، وما يشابههم قي التنظيم المجتمعي، بينما النوع الثاني(المفترس) يمثل الطغاة، المتحكمون خلف الستار، صانعو الدمى، الذئاب التي تحكم الخراف القاصية، قائدو الطوائف والأحزاب والجماعات الصغيرة بمختلف أنواعها والذين لا يهتمون إلا بأجندتهم ورغباتهم..

في رواية (الواجهة) ليوسف عز الدين عيسى، يصل البطل (ميم) إلى مدينة بها شارعين، الشارع الرئيسي والشارع الخلفي، وجد (ميم) في الشارع الرئيسي مدينة طبيعية منتجة محافظة مبهجة ومجتمع منظم، بينما الشارع الخلفي به ذات الأشخاص لكنهم يمارسون فيه بالليل كل ما يستنكرونه في الشارع الرئيسي بالنهار..

هذه الرمزية في الرواية توضح عالمنا، والعالم خلف عالمنا، عالمنا الذي تحكمه أديان وقوانين ودول بقيادة (الألفا القائد)، بينما العالم خلف العالم يحكمه (الألفا المفترس)، وهو حاليًا -للأسف- لاعب رئيسي أصبح يتحكم في النوع الأول ويؤثر في قراراته..

وهناك أيضًا عالم يطل على هذا العالم الخلفي ولكن من الأعلى ويتحكم فيه نوع غير مرئي من (الألفا الشيطاني)، نوع لا يعترف بالإنسانية بل بالمصلحة، لا يهتم بالأديان بل بالاحزاب والطوائف والاختلافات، لا يعطي اعتبارًا للنموذج الطبيعي المثالي للإنسان، بل يرى البشر فئران تجارب وقطعان يجب أن تُقاد لحتفها كأضاحٍ لسيدهم الذي باعوا له أرواحهم فمُسخوا شياطين مثله..

(الألفا المفترس) يريدك أن تُدمن، تُدمن التبعية، المخدرات، الجنس، الانحراف، المازوخية، الاستهلاك، تتخلى عن حريتك واختياراتك لأجل أن تغذيه، فهو مدمن كذلك لكن على بؤسك، حزنك، اكتئابك، يأسك وميلك للانتحار، وكلما كرهت حياتك عوضتها بالامتثال لعقائد بائسة تريد أن تفرض أفكارها بالعنف والدم والجنوح، وأحطتها بنمط استهلاكي يكرر بلا وعي ما يراد لك أن تقول، وأغرقتها في حياة بوهيمية لا معنى لها باحثًا عن المتعة في انحطاط لا رجعة منه، وبذلك رفعت من إحساس (الألفا المفترس) بالسيطرة، وأعطيته القوة المطلقة في وجهة نظره بينما هو مجرد دمية يحركها (ألفا شيطاني) اعظم منه يقبع في عالم يطل على العالم خلف عالمنا، هذا الألفا الشيطاني يشبه ما نسميه بـ(اللهو الخفي) تلك العصابة التي ذكرها الفنان الراحل (سعيد صالح) في مسرحية (العيال كبرت)، العصابة التي تفعل كل شيء سيء ولا أحد يعرف من هي ولا من خلفها، لكننا بتنا نعلم والحقائق بدأت تظهر والوعي قد ارتفع والنور قد حل..

هذا (الألفا المفترس) قد يكون قائدًا دينيا يأمر أتباعه بتفجير أنفسهم وإضرار البشرية، قد يكون زعيمًا لطائفة روحانية ينكر كل الآراء إلا رأيه ويتعمق في كل العقائد الباطنية وينقلها لأتباعه حتى وإن صادمت الحقيقة المطلقة، قد يكون والدًا يعذب أبناءه ويضرب زوجته أو مديرًا في العمل يستغل موظفيه لمصلحته، قد يكون متنمرًا في المدرسة والشارع ووسائل التواصل، قد يكون مبتزًا يتغذى على ضحاياه، وزعيمًا لعصابة همها أن تبقى تحت سيطرة إدمانها، أو حبيبًا مهووس بالتحكم والمازوخية (كمثال المصطلحات الجنسية المقززة :العمّات والكلاب) أو مفترسًا يبحث عن مالك بأي وسيلة كانت ليجعلك تستهلك أكثر..

ما يجمعهم كلهم أنهم يريدون السيطرة عليك، افتراس مشاعرك، كبح جماح حريتك، قتل خياراتك، وإرضاء هوس (الألفا) بداخلهم..

أريد أن نعود للبداية..

عبودية (الألفا المفترس أو الشيطاني) لا تليق بك..

أنت حُرّ يا صديقي..

مخيّر..

هذا الحق خلق معك من رب العالمين..

تماهيك مع (الألفا القائد) الذي ينظم حياتك وعالمك مطلوب لأجل حياة تكاملية..

أما (الألفا المفترس) فذئاب قد شبعت، أصابتها التخمة ولم تعد تأكل اللحم، بل تطورت لتتغذى على مشاعرك وخوفك وإدمانك، والحل في المواجهة والمجابهة، إن ما تخاف منه هو ما يقتلك فانزع الخوف منك، انتزع أنيابهم ومخالبهم، وجردهم من متعتهم، تخلص من الإدمان، امتلئ بخالقك واعتنق حبه وحريته، لا تعطهم فرصة لان يروا دموعك وخوفك واحتياجك لهم، بل حوّل أنيابهم ومخالبهم إلى قلادة نصر حول عنقك تذكرهم بحقيقتهم، فماهم إلا ذئاب (ألفا) كسالى مهزومون ملفوظون مطرودون من قطيعهم الأساسي ولا وزن لهم يذكر، مثل طائر صغير ينعق في كهف ليضخم صوته حتى تأتيه الصقور والنسور بالقرابين ويخشى الظهور إليهم..

وسيأتي اليوم قريبًا الذي سينهار المسرح على من يختبؤون خلفه، وستنقطع الخيوط التي يحركون بها الدمى بسيوف من نور، وسينالون جزاء سيدهم المتكبر المتنمر المنبوذ عدو البشر..

وستعود البشرية لحريتها في الاختيار..

والعيش بسلام..

4 آراء حول “عبودية (الألفا) و(اللهو الخفي)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s