
كانت ساحرة..
تشربت فن الويكا، نهلت من علوم هرمس، غاصت في طقوس الفودو، أطلقت عنان قوى الطبيعة الأربعة واتحدت مع الأثير، تلك القوة الخامسة التي تسري في عروق طاقة الكون كما الدم..
كانت قاهرة..
بتعويذاتها الرونية تلقي بالشياطين عند أقدامها، تزرع الرعب في قلوب أعدائها، تلهم كهنة الدرويد وأحبار القابالاة وكل شامان يحبو يتلمس خطاه في بلاط السحر، وتئدُ كل سلطان اعتقد أن جيوشه تكفي للقضاء على كيان تحدى ليليث يومًا ما..
كانت مرعبة، مخيفة، مهيبة..
و..
في عيني..
رقيقة..
متماهية مع الطبيعة، منسجمة مع قوانينها ونواميسها، تغني للأشجار، تنام عند الجداول، تصافح الندى كل صباح، ترقص تحت المطر، تحادث الطيور والسناجب، تحمل اليراعات على كتفها فتضيء، تداوي البسطاء بأعشاب البراري، وتبتسم، فيذوب قلبي..
كانت شيطانة بأعين الكافرين بقدراتها، ولكنها ملاكي الحارس وتوأم روحي العتيق، فكرة رحيلها ترعبني، والحياة من دونها تخيفني، من دون ضوء مهيب من عينيها، يهدئ روعي..
في هذه اللحظة المنطفئة في أحراش الغابة، أنا بلا حول ولا قوة، مقيدٌ بين شجرتين، والناس من حولي يتهامسون رعبًا وفرحة وتشفّ، يشيرون إلى قرنين متصدعي أعلى رأسي، وإلى قدميّ اللتان تشبهان أقدام الماعز، يرونني مسخًا رجيمًا لا يحق له الحياة، وأنا أتغاضى عن همساتهم الجارحة وأرقب جاحظ العينين ساحرة قلبي هناك، في وسط نار مؤججة من قيح نفوسهم، بين اللهيب، تحترق في صمت، تترمد، تحمل الرياح بقاياها فتتلقطها الأغصان بأسى، وتعوي الذئاب كمدًا على فقدان قمرها، وكأن نجمة النهار تهاوت على رأس عزازيل، وكأن الأغنيات فقدت لحنها فتناثرت صرعى..
وأنا أسقط بداخلي كرمل متحرك، أنفاسي المتلاحقة تبحث عن عطرها، وعينيّ الداميتين تجولان علها ترى طيفها، منتظرًا الخلاص من عذابي لأرافقها لعالم آخر يجمعنا، وقلبي المفطور ينزف من سيف قسيسهم ولا يجف، وكأن دمي الأزرق قد تآمر علي معهم ليمنعني من اللحاق بها بعد أن قتلوا لحظة الوداع..
ألا تبًّا للبشر..
ألا تبًّا لكم..