قواعد القوة السبعون

سأبدأ حديثي عن هذا الكتاب بالخاتمة المفترضة للمقال، الكتاب العظيم من وجهة نظري يجعلك من القراءة الأولى متحمسًا مشدودًا منبهرًا فتلتهم الصفحات وصولًا لنهايته في جلسة واحدة، فتطوي الصفحة الأخيرة وكأنك تودع صديقًا جديدًا شاركك القهوة وأهداك عينين إضافيتين، لكن هذا الوداع سيتحول إلى وعد، لقاء آخر وجلسة مطولة متأنية تغوص في بحر هذا الكتاب تُقبّل فيه المحّار ليعطيك اللؤلؤ بطيب خاطر، الكتاب العظيم لا تكفيه قراءة واحدة، بل هو صديق حميم يحب قضاء وقته برفقتك ويتأمل عينيك وأنت تستخرج كنوزه بكل شغف..

هذا الكتاب “نسختك الأقوى” والذي صيغ بعبقرية تامة بأنامل كاتبته الاستثنائية هو أحد هذه الكتب التي حالما تصادقها ستنقلك لعالم آخر، تجارب عدة، وجهات نظر جديدة، ستتلاشى معها نُسخك الاولية كما يطير الرماد من جمر محترق، فيظهر شكل الجمر الحقيقي، مشتعلٌ شغفًا وطموحًا ورغبة، بنسخته الأقوى..

وقبل أن أتحدث أكثر عن هذا الكتاب سأشارككم بعض المقتطفات التي اعجبتني ثم نستكمل الرحلة برفقة عقل الكاتبة ونتعرف أكثر على ثناياه..

في صفحة 18 ضمن القاعدة الرابعة بعنوان (تأمل كل ما يحيط بك) تقول الكاتبة:

“قد تشعر أحيانًا وكأنك مثل ورقة خريف جافة سقطت من شجرة وحين سقوطها نحو الأرض لا تصل بسهولة، حيث ستتخبط تارة يمنى وتارة يسرى بفعل الرياح حتى ترقد أخيرًا في منحدر منسي مهجور، وقد تشعر أحيانًا بأنك مثل كتاب قديم طاف عليه الزمان وامتلأ بالتراب ونسي في زاوية قديمة وقد تغطى بخيوط العنكبوت، ورغم ذلك لا نستطيع القول بأن الحياة تسير بنفس التسلسل بل على العكس من ذلك فالحياة غير منتظمة وقابلة للتغيير وإعادة البناء..لكن تذكر (نحن من نصنع سعادتنا بأنفسنا)”

كذلك في صفحة 33 ضمن القاعدة الحادية عشر (قدّر وثمّن كيانك الداخلي) تنبهنا الكاتبة:

“إياك أن تعتذر عن أي تغيير حدث في شخصيتك بعد مرات الانكسار التي لامستها بحياتك، أو بعد خسارة فادحة في أي علاقة، فأنت تمتلك الأحقية المطلقة في إعادة تشكيل نفسك بالطريقة التي تناسبك وتغيير قناعاتك وتبدل أماكنك وتعيد ترتيب الأشخاص بحياتك”

وفي صفحة 39 ضمن القاعدة الرابعة عشر (من العبقرية أن تخاطب نفسك بوحدتك) تحتفي الكاتبة بالوقت الذي نقضيه برفقة أنفسنا فتقول:

“متع نفسك في وحدتك بطرقك الخاصة، أخرج ورقة وقلمًا واستجمع كل شتات أمرك وما يلم بك في هذه الورقة ثم قم بتمزيقها، اجعل خلوتك بنفسك كإعادة تأهيلك بنفسية وروح معنوية جديدة خالية من شوائب الحياة ومنغصاتها”

وأيضًا في صفحة 41 ضمن القاعدة الخامسة عشر (اعترف بخطئك) تقول الكاتبة:

“الاعتذار لا يمحو جرحًا غائرًا لكنه يمنعه من التوسع، لذلك اعتذر مهما بدا الأمر عصيًا على الإصلاح، فأكثر ما يعجل بهدم العلاقات هو الانتظار في سبيل من سيبادر أولًا، قاوم شعور الكبرياء الذي يصارع أعماقك، ضعه جانبًا وتغافل عنه وقم بما يجب عليك أن تقوم به”

وعن جمال الصباحات في صفحة 43 ضمن القاعدة السادسة عشر (اصنع صباحًا يليق بك):

“اجعل بمرآتك عبارة تحفيزية تمنحك روح التفاؤل واجعلها نصب عينيك كل صباح حتى تكون أول ما تراه عيناك وتبدأ يومك به”

وفي صفحة 81 ضمن القاعدة الخامسة والثلاثون (تنحّ جانبًا إذا تطلب الأمر):

“انفض غباره الملتصق بجسدك، تخلص من رائحته العالقة بك، انس قصصه وأتلف رسائله، تحرر منه وخن وفائك له، اجمع بقايا صوره من علو حائطك، وأخرج تفاصيله من داخلك، وارمه من قبضة يدك واجعله يسقط دون العودة إليك مجددًا، واجعله ينسى الطريق المؤدي إليك”

وعن فن النقد في صفحة 100 ضمن القاعدة الرابعة والأربعون (انتقد بحزم ورقي):

“لن تستطيع إسكات جميع الأفواه المتحدثة من حولك، لذلك أرجوك، دعهم يتحدثون وينتقدون ويختلقون، ينسجون الحكايا من خلفك، يظنون أنك لا تنتبه لثرثرتهم وأنك عاجز عن الرد عليهم، يخشون مواجهتك والحديث معك، ويسرفون ويصطنعون أمام وجهك زيف محبتهم إليك ويرتدون ألف قناع، لكن اعلم نهايةً أن ما يقال عنك هو مجرد ظن، وأن ما تعلمه أنت عن نفسك هو يقين”

كذلك في الصفحة 111 ضمن القاعدة التاسعة والأربعون (تمسك بجميع آمالك) تصف الكاتبة قيمة الأمل بقولها:

“الأمل هو تلك الفتحة الصغيرة النافذة للضوء، التي تصنعها بمخيلتك رغم إحاطتك بالظلام الحالك، التي تقودك إلى الأمام بدلًا من الرجوع إلى الخلف، انظر بعيني التفاؤل لما حولك واسرح بهما وسترى الجمال منتشرًا وشائعًا بكل ما تلامسه”

وفي صفحة 127 ضمن القاعدة السابعة والخمسون (اذهب حيث يرتاح قلبك) توجه الكاتبة رسالتها لكل أنثى:

“أنت معزوفة الحياة، أوتارك الهشة ألحانها وعذبها، لا تجعلي لذة عزفك لغيرك، بل اصنعيها أنت، لك، وبك، تأكدي من أنه لا أحد يستطيع اختراقك وهز ثقتك بنفسك ما لم تأذني له أنت بذلك، أنت ولدت لتكوني صلبة من خارجك، هشة من داخلك”

وأنهي رحلتي مع الاقتباسات في صفحة 166 ضمن القاعدة السبعون والأخيرة (اعتمد على نفسك وكن مستقلًا):

“لا تضع أولوياتك في شخص ولا تعلق أمورك بين يديه ولا تترك مفاتيحك بين الأيدي العابرة، لأن اتكالك على الآخرين يقتل لديك الرغبة في مواجهة الحياة وضغوطاتها، لأن الشخص المتواكل هو الشخص الذي يتغنى بأن الصبر مفتاح الفرج ولا يكلف نفسه عناء البحث عن الباب الذي سيستخدم فيه هذا المفتاح لفتحه”

الكتاب من نشر دار تكوين، وهو متواجد في مكتبات الرشد والهندسة ومتجر تكوين، يقع الكتاب في 174 صفحة من القطع المتوسط، غلافه المعبر والرائع كما ترون (بيدق شطرنج يرى نفسه ملكًا، كتعبير عن العنوان – نسختك الأقوى) وأرى أنه كان اختيارًا موفقًا من الكاتبة، في الكتاب كما وضعت في عنوان المقال (سبعون قاعدة) متنوعة تقودك إلى الوصول في نهاية المطاف لنسختك الأقوى، تتنوع هذه القواعد بين توجيهات تربوية ونصائح دينية وأيادٍ حانية وتجارب مثرية وتنبيهات مهمة للقارىء، وكان اختيار عناوين القواعد رائعًا لدرجة أن بعضها يصلح عنوانًا لكتب مستقلة..

الجميل في استعراض هذه القواعد كان في تقديمه على شكل (اقتباس / تجربة / رسالة) وأحيانًا يضاف معها (وقفة)، ولفت انتباهي التنوع المبهر للاقتباسات وللتجارب التي خاضتها الكاتبة أو استخلصتها من محيطها (فالكاتب الجيد، مراقب جيد)، وكذلك في صياغتها للفائدة المستخلصة من كل تجربة والتي تصب في صلب القاعدة المراد تعزيزها لدى القارى، لفت انتباهي أيضًا تعدد الأساليب في السرد، ما بين أسلوب أدبي لطيف إلى تقديم ديني وتربوي هادئ وما بين استطراد مثري للفكرة إلى اختصار مكثف للمعنى، مما يدل على امتلاك الكاتبة لأدواتها الخاصة لتوصل الفكرة بأقل مجهود وأبهى حلة، كذلك أعجبني عفوية عباراتها في بعض المواقف لتضع القارئ معها في خانة الكاتب وتغرس فيه رسالتها بلا إيحاء بالتعالي والتنظير..

هذا التميز من الكاتبة -نظرًا لأنها تجربتها الأولى- يجعلني أرفع لها القبعة والعقال وكل ما أضعه على رأسي لأنني ملأته بعبارات لا تنسى من رحلتي الجميلة بين ثنايا الكتاب، وهذا العمل الرائع يستحق أن يكون هدية لك عزيزي القارئ ولمن يعز عليك من أقاربك خصوصًا النشء الصاعد، هذا الكتاب خفيف وممتع وتستطيع التوقف عند أي نقطة لأن القواعد متصلة ومنفصلة وتخدم عنوان الكتاب وفكرته الأساسية، ويصلح أيضًا أن يكون رفيقًا ممتعًا في غرف الانتظار والمقاهي الراقية..

أختم بالتنويه لك عزيزي القارئ بان تعود لمقدمة المقال، فهناك خاتمة قولي ولك كل الحب وللكاتبة الدكتورة مروه النعمى -التي أتنبأ لها بمستقبل عظيم- كل الدعوات بالتوفيق في مسيرتها الكتابية..

4 آراء حول “قواعد القوة السبعون

اترك تعليقًا على احمد شهاب اللافي النعيمي - العراق إلغاء الرد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s