في أغلب رحلاتنا الشبابية والعائلية، نتساءل عن اتجاه القبلة وقت الصلاة، وقد سهلت التقنية علينا كثيرا تحديدها، بينما قبل بضع سنوات كنا نعتمد على تحديد اتجاه الشمال ثم تحديد القبلة بعدها، يجيد أهل البادية والقرى بالفطرة تحديد الاتجاهات بسهولة بينما يعاني أهل المدن حال غياب الشمس وعدم رؤية النجوم في الليل بسبب كثافة الأنوار..

تحديد الاتجاهات أو (الملاحة) هي من أجمل المهارات التي يتدرب عليها الكشافة، كما تعتبر من أساسيات التدريب في الجيش والبحرية والصيد والنقل البحري، جنباً إلى جنب مع قراءة الخرائط، ربما لذلك ركز المؤسس (بادن باول) على نقل كل خبراته العسكرية للأنشطة الكشفية..

شغف الانسان منذ القديم بتحديد الأماكن اعتمادا على الخبرات التي يضيفها من مراقبته للطبيعة من حوله، فكما تعلّم استخدام حركة النجوم والكواكب والأبراج لمعرفة أوقات الحصاد، تعلم أيضا كيف يعرف اتجاه الشمال وذلك بالبحث عن النجم القطبي polaris أو نجم الشمال والذي يمتاز بثبات موقعه في الألفيات الست الأخيرة من عمر كوكبنا بسبب ثبات ميلان محور الأرض وأما قبلها فقد كانت كوكبة التنين هي الأقرب للشمال المغناطيسي، فمعرفة اتجاه الشمال يساعدنا على تحديد بقية الاتجاهات..

أول ذكر أدبي لاستخدام النجوم في الملاحة كان في الكتاب الشهير (الأوديسة) للمؤرخ الإغريقي هوميروس وفيه حوار بين كاليبسو وهو يوجه أوديسوس بجعل (الدب ursa) على يساره ويتوجه مباشرة إلى (أورايون orion) ليصل لوجهته..

الدب هنا يعني به مجموعتي الدب الأكبر Ursa Major و الدب الأصغر Ursa minor والتي يحتوي كلاهما على سبعة أنجم براقة في السماء ويعتبر نجم الشمال جزءا من ذيل الدب الأصغر بينما هناك نجمان دليليان في الدب الأكبر تدلان مباشرة على اتجاه نجم الشمال..

يمكننا الاستعانة أيضا بمجموعتي الرجل ذو السيف Orion وكاسيوبيا Cassiopeia والتي تحمل اسم ملكة اثيوبية لها قصة عجيبة..

هذا في نصف الكرة الشمالي بينما في النصف الجنوبي لا يظهر نجم الشمال فيتم الاستعانة بمجموعة southern cross..

البوصلة هي أحد أشهر الطرق في تحديد الشمال، والتي يعود الفضل للعرب في تطويرها هي والاسطرلاب بعد اكتشاف مغناطيسية القطبين من الصينيين والاغريق، فعندما توجد معك (بوصلة) فلا داعي للبحث عن وسيلة أخرى لمعرفة الاتجاهات..

ويمكنك صنع بوصلتك الخاص بك، بشحن إبرة كهربائياً عن طريق فركها في قطعة قماش ثم وضعها في إناء به ماء، سيتوجه طرفي الإبرة إلى الشمال والجنوب مباشرة..

قد لا توجد لدينا مشكلة في النهار مع وجود الشمس، لكننا سنحتاج حتما للبوصلة في أجواء الأمطار والغيوم والضباب..

لتحديدٍ أمثل للاتجاهات في النهار، لنستخدم العصي ونغرسها في الأرض ونحدد نهاية الظل (بحجر صغير مثلا)، وبعد فترة نراقب تحرك الظل ونحدد نهاية أخرى وهكذا حتى يظهر لنا خط مستقيم يحدد لنا الشمال والجنوب..

هناك طرق اخرى كاستخدام الساعة مع الشمس والصور توضح الطريقة في محركات البحث، اكتب فقط (تحديد اتجاه الشمال بواسطة الساعة مع الشمس)، ويساعدنا أيضا معرفة بعض المعلومات الجغرافية والطبيعة المساعدة، فمثلا تنبت الطحالب في الأشجار في الجزء الجنوبي من الشجرة، وكذلك معرفة اتجاهات الرياح كنسيم البر ونسيم البحر وريح الشمال، وكلها بديهيات عند الذين يقضون جل أوقاتهم في الطبيعة والبحار..

هدفنا هنا تسليط الضوء على أكبر عدد ممكن من الطرق وتستطيع البحث عنها بتوسع لاحقاً..

ختاما مع وجود الأقمار الصناعية وتطبيقات الهواتف الذكية وأجهزة التموضع العالمي GPS سهل علينا كثيرا تحديد الاتجاهات، لكن في حالة تعطل الأجهزة أو فراغها من البطاريات أو ربما تهب عاصفة شمسية كما يروج لها في قصص الخيال العلمي فتقضي على التقنية والانترنت والاتصالات، سنعود حينها للطبيعة واستخدام الشمس والنجوم والرياح لتحديد الشمال..
قد يسألني سائل لماذا تعمقت في الحديث عن استخدام النجوم في الملاحة ؟!
فقط لأنني أحب هذا المجال وأتمنى أن أستزيد منه ونظرا لكثرة المصطلحات التي تساعد من يريد الاستزادة في البحث علميا وتاريخيا..