الفتى الذي أراد أن يسرق قوس المطر

(1)

الحادية عشرة ظهرًا، الشمس أشاحت بوجهها لليوم السادس على التوالي، تشرق ولا يراها، نورها يترك أثره في جنبات النهار لكن لا أثر لها في السماء التي تارة تختبئ خلف ستارة كثيفة من الغبار وتارة تفتح أبوابها لمطر منهمر، ولا أثر للشمس، ولا لقوس المطر..

رأى الشمس قبل أيام بوجه أبيض، سأل معلمه عن ذلك “أليست الشمس صفراء يا معلمي؟!”، بدد المعلم حيرته بقوله: “الشمس بيضاء يا (نائل)، كل النجوم كذلك، وما نراه في السماء من تدرج للون الشمس بين الأصفر والبرتقالي والأحمر هو بسبب الغلاف الجوي، تماما كما نرى البحر بدرجات لونٍ أزرق والسماء زرقاء، ولولا ذلك لما ميزنا خط الأفق بين السماء والبحر”، أقنعه كلام معلمه خاصة وأن القمر يعكس نور الشمس، وكما نرى القمر أبيضًا لنتذكر أنه مرآة تعكس الشمس إلينا ليلًا كي لا نتوه في الظلام..

إحدى عشرة دقيقة مرت وما زال يرقب الشمس خلف زخات المطر الذي بدأت وتيرة سرعته تخف تدريجيًا، ولليوم السادس على التوالي يبحث عن قوس المطر ولا جديد تحت الشمس، نادته شقيقته الصغيرة (نيروز):

-(نائل)، أنا حزينة، لا أستطيع أن أرسم المزرعة..

ألقى نظرة على ما رسمته، على الألوان الشمعية التي استحالت كتلًا رمادية بلا ملامح، على منظر أمه على فراش المرض وبجوارها قناني الأدوية التي فقدت ملامحها فلا يدري أيُّها للسعال وأيُّها للقولون، حتى هاتفه المحمول شاه منظره وفقد معه حماسته لتصفح منشورات أصدقائه وأخبار العالم من حوله، النافذة المطلّة من بيتهم الريفي على مزرعة والده الراحل تعطيه إحساسًا كئيبًا بالوحدة والموت، أينما أرسل نظراته لا يجد سوى درجات الرمادي، فالألوان غابت عن الوجود يوم اختفى قوس المطر..

اقتربت (نيروز) واحتضنت يد (نائل) قائلة:

-(نائل) أنا حزينة جدا، من الذي سرق الألوان؟!

أجابها بكل حسم وهو يرتدي درعًا خفيًا من المسؤولية والبطولة:

-سأكتشف ذلك اللغز المحير، وكما سُرق قوس المطر فسأسرقه وأحضره إليك لتكملي رسمتك وتتناول أمي دواءها..

بابتسامة واسعة وعينين لامعتين كأنها اكتشفت سرًّا كونيًا:

-(نائل)، أخبرني الأقزام بأن في نهاية قوس المطر جرة ملأى بالذهب، أحضرها معك كي أشتري حلوى وشوكلاتة وألوانًا جديدة، أرجوك (نائل)..

ضحك على خيالها الواسع، ووضع يده على رأسها:

-بالتأكيد أميرتي الصغيرة، سأحضر الجرة والأقزام وقوس المطر ولو اضطر الأمر لسرقتها جميعًا..

عاد إلى مكانه بجوار النافذة ومكث برهة يستعد ذهنيًا لقراره ويراقب نزول قطرات المطر ويتخيل أنه قطرة ناضجة قررت الرحيل من منزل السحابة التي احتضنته وأرادت تحقيق هدفها الأسمى من الحياة وتساهم في إحياء الأرض..

إقرأ المزيد