الكتابة مشروع لا ينتهي..

لأكمل فكرة العنوان قبل الخوض في التفاصيل، الكتابة مشروع لا ينتهي سواء بالنشر المستمر للكتب أو الاستمرارية في الكتابة في المنصات التي تتاح للكاتب من صحف ومجلات ومدونات وصفحات شخصية ومجموعات تهتم بالقراءة والنشر..

راودتني هذه الفكرة وقت قراءة خبر عابر في معرض دولي للكتب في دولة المغرب يخص الكاتب السعودي أسامة المسلم الذي تجمهر عليه محبيه لنيل توقيعه في مشهد يذكرنا بإصدارات هاري بوتر والكاتبة رولينج، لا أعرف الكاتب شخصيا ولم أقرأ له عملًا كاملًا من قبل بل عدة مقتطفات لم أكملها وأعطتني الانطباع كقارئ مهتم بالفانتازيا منذ عقود بأن العمل ليس لي، وهذا الانطباع ليس له ارتباط بأسلوب الكاتب أو فكرة كتبه بقدر ماهي قناعة داخلية وشخصية بأنه لن يستطيع كاتب عربي على جذب انتباهي بعد رحيل العباقرة د. أحمد خالد توفيق ود، نبيل فاروق، ولكن هذا لا يمنعني من الإشادة بجهود الكاتب وحرصه على مواصلة إبداعه الذي يأسر الكثير ونعود هنا لعنوان المقال..

ما الذي جعل أسامة المسلم يستمر ويكسب كل هذه الجماهيرية التي يستحقها، بكل اختصار: مشروعه الكتابي والذي تجاوز العشرون عملًا كما قرأت، وهنا تتضح جدية الكاتب وثقته بنفسه وقدراته ومدى قدرته على المواصلة والاستفادة من النقد وتجاهل الانتقاد والأهم من ذلك كله تحديده جمهوره بعناية، وأهنئه على صدقه مع نفسه حيث لم يستهدف جوائز أو دراسات نقدية أو رأي نخبوي- مع تحفظي على هذه الكلمة لعدم إيماني بفكرة النخبوية ولا أراها سوى تقليد لإبليس في قوله (أنا خير منه)- ولذلك استمر الكاتب أسامة في سعيه لإرضاء ذاته أولًا من خلال غزارة الانتاج ثم ذائقة جماهيره مهما كانت أعمارهم..

مهم جدًا للكاتب أن يستمر حتى لو لم ينشر، هذا يذكرني بأستاذي محمد حسن بوكر غزير الإنتاج الذي شاركنا إصداراته غير المنشورة والتي تعدت العشرين عملًا في الأدب والتاريخ المحلي والشعبي، وبتجربة أنيس منصور ونبيل فاروق وأحمد خالد توفيق وغيرهم تجاوزت إصداراتهم المتنوعة الرقم مائة، وهو دليل ثقافة عالية وقراءة مستمرة فلا يستطيع أي كاتب إنتاج هذا الكم الهائل من الإصدارات بدون قراءة متعمقة ويؤكد لنا مقولة أن الكاتب الجيد هو في الأصل قارئ جيد..

لذلك أرى أن يستمر الكاتب في الإنتاج مهما كانت العقبات سواء في نشر الكتب وتسويقها وحتى الجمهور المستهدف، عليك صديقي الكاتب أن تمكن الأفكار من الخروج إلى العالم وستجد فرصتها يومًا للحياة في عين قارئ متحمس، وقد ينتشر لك إصدار ما فيسلط الضوء على بقية إصداراتك كما حدث للعديد من الكتاب قبلك..

خيرًا تعمل شرًا تلقى

مروه النعمي


(1)
طارق موظف في أحد البنوك، يمضي جل وقته في مساعدة الجميع وتقديم الخدمات اليهم دون مقابل فقط طمعًا في دعوة مراجع او كسب استحسانه ،في أحد الأيام وبينما كان طارق يرتشف كوب قهوته اليوميه المعتاده ،فأذا به يلمح رجل كبير في السن يطلب المساعده من احد الموظفين من خلف النافذه الزجاجيه، كان الرجل الكبير من يحاول كسب رضا الموظف واستلطافه حتى يتمكن من خدمته وتسهيل اجرائاته ولكن بدون فائدة ترجى، انتبه طارق الى الحوار الجاري بين الطرفين وقد استنتج ان الرجل الكبير بحاجه للمساعده ولكن الموظف كان يرفض بصوره مستمره ، جاء طارق نحو الرجل الكبير وحاول تهدئه الوضع بين الطرفين دون احراج اي منهما ثم تقدم الى الرجل سائلا اياه :تفضل يا والدي كيف لي أن أخدمك؟! رد عليه الرجل بأنه قد جاء الى البنك طيله الثلاث الايام السابقه فقط لتحديث بياناته الشخصيه من اجل استلام بطاقته وانه كان يقابل الرفض في كل مره والسبب هو انه يجب التقديم عن طريق صفحات الانترنت ،ثم اسرد قائلا وانت تعلم يابني ان منهم بمثل سني لا يجيدون استخدام التقنيات بكل انواعه،طلب طارق من الرجل الجلوس لمهله ثم قام بفتح اسم المستخدم والضغط ع عده ازار لبضع دقائق وحالما وضع اصبعه على الزر الاخير طلب من الرجل الكبير التقدم لاستلام بطاقته .
الرجل بصوت متحشرج وممتن اشكرك كثييرا يابني واتمنى من كل قلبي ان اتمكن من رد هذا الجميل اليك ، طارق بأبتسامه عريضه وعينيه مغمضتين فقط ادعو لي كما تدعو لابنائك حينها تكون قد رددت الي الجميل..

(2) كان صلاح يشغل منصب مدير لأحد الصالات الدوليه بأحد المطارات ، و في احد الأيام حضر مسافر إلى بوابة الصعود متأخرًا بضع دقائق، لكن الموظف تصرف معه بطريقة نظامية ورفض صعوده، حضر صلاح الموقف وكان يعلم بأن الموظف يستطيع أن يتجاوز النظام ويأمر له بالصعود ولكن خشيه وقوع الانظار عليه لم يفعل شي وانما رفض وبصرامه ، تدخل صلاح بالموضوع وحاول ان يقنع الموظف بأن يفسح المجال له بالصعود والتماس العذر له خاصه بأنه واضح عليه علامات التوتر والمشقه (مع العلم ان صلاح لم يكن ليفعل ذلك مع اي شخص ولكن لانه عرف ان الرجل هو ذاته الشخص الذي قدم له يد العون بالمطار فقرر ان يقدم له المساعده بدون علمه )

سيناريو 2
المثل عميق جدا ولكن اذا تعاملنا بأحرفه بمنتهى الجديه فأنني اعتقد بأن البشريه ستحجر وتمنع نفسها عن تقديم الخير وبكل حالاته ،يخبرنا المثل ايضا بأن الخير جزاءه الشر في حالات معينة وهذا تعميم خاطئ،فالاجناس البشريه وفيره ومتعدده ومتقلبه الاحوال والظروف ولا تستطيع ضمان بقائهم عالود والعطاء اللامتناهي، اتفق وبشده من ان البعض يتقن ارتداء الاقنعه والفلاتر الى ان ينتهي تاريخ استعماله لها ليفاجأك بقناعه الحقيقي الخفي ، و البعض لا ينسون وانما يتناسون جميع صور الاحسان والجميل التي قد قدمت اليهم ، ناهيك عن البعض اللذين طبقوا نفس المعادله على والديهم ليؤول بهم الملاذ اخيرا بدار العجزه والمسنين ،او للوالدين رد في الجميل والاحسان ولو خضعنا تحت ارجلهم واغرقناهم برا وتوجيلاً!!! لا اعتقد ذلك
من وجهة نظر أخرى كما ذكرنا في القصة أعلاه، لو عملنا بالمثل فسينعدم الخير في الأرض، إننا نعمل الخير وكلنا إيمان بالله بأن ما نقدمه من خير سيعود علينا أيضا بالخير لحسن ثقتنا بالله،
إن من أهم القيم الإنسانية أن نرد الخير لمن أحسن إلينا..
فالبعض قد يقتل نفسه امتنانا لتلك الابتسامه العابره التي رأها من احدهم فقط لتمكنه من صناعه يومه واسعاده

واخيرا اوجه الخير كثيره ،لامحدوده متوافره ومتسلسله بكل زمام ومكان ،يتسطيع تقديمها الصغير والرضيع قبل الكبير جرب ان تبتسم لصغيرك ذو ال٧اشهر وانظر رده لابتسامتك. لا يستطيع منع الخير والاحسان عنك الا اصحاب القلوب الصدئه والمهترئه اللذين لامثالهم وضعت مثل هذه الامثال والعبارات ،قدم الخير وارمه في البحر بعيدا. وانسه ولا تنتظر من احد الشكر والقبول ولنجعلها وبكل طيبه ويقين تام (اعمل خيرا رزقا) تلقى…

السكوت علامة الرضا

مروه النعمي


سيناريو١
غسان شاب لطيف و رائع علاقاته الاجتماعيه بالجميع متينه و ممتازه ومتوقه بكل الحب، متزوج وليس لديه ابناء ، لم يلتحق بالجامعه لأنه اهمل هذا الجانب حال تخرجه من الثانويه ، لكنه الان يعض اصابع الندم لتركه لدراسته، يعاني من بعض الفجوات بعلاقته بزوجته لانها ذو شخصيه متعجرفه ومتسلطه ومتقلبه المزاج ودائما ما ترهقه بكثره الاوامر والمتطلبات ،اضافه الى ذلك انها تتعامل معه بدونيه واستحقار نظرا لكونها ابنه صاحب الشركه التي يعمل بها غسان …
غسان يعاني من خلل هذه العلاقه ويتمنى لو بالامكان ان يترك زوجته ويتزوج من امرأه اخرى ليقضي معها ماتبقى من شبابه ولكنه يعلم ان ذلك محال لانه على درايه بأنه سوف يطرد من مجال عمله ….
يصل غسان لتوه الى منزل والدته لأنهم قد اعتادوا على التجمع كل نهايه اسبوع ،غسان بين اخوانه واخواته مستريح البال والذهن وقد تمكن من ان يخرج نفسه من جو الملل الذي كان يقضيه بين ارجاء منزله وارجاء شخصيات زوجته المتقلبه.. تسأله امه لتطمئن عليه وعلى زوجته وعلى علاقتهما (حال كل أم زوج)…
غسان ما اخر الاخبار بينك وبين نهاد ،هل ذهبت بها الى الطبيب كي ترى مشكله تأخر حملها ، يرد غسان ع والدته ببرود وبعض اللامبالاه نعم نعم سوف افعل ذلك لاحقا(مع العلم ان غسان يعلم ان مشكله الانجاب هي مشكلته وليست مشكله نهاد)…
تقترب احدى اخوته منه واضعه يدها ع كتف اخيها اخبرني غسان بحق!
اتشعر بالارتياح مع زوجتك نهاد ام لا !! ان كنت لا تشعر بالالفه معها فهنالك حلول اخرى سوف اقوم بطرحها وكأول الحلول هو مواجهه زوجتك والحديث معها ان لم تحصل ع نتيجه فبإمكانك السفر والتنفيس عن نفسك حتى تعود اليها بمزاج اخر وتستطيع ان تأخذ وتبدي رأيك معها ولكن ان لم تنفع معك كل هذه الحلول فأفضلها وابغضها عند الله هي الطلاق وهو كحل أخير ثانوي
ينظر غسان الى اخته بعينين متحسرتين دون ان ينطق بكلمه واحده وجميع الاعين بالمجلس عليه وكأنهم استنتجوا بأن غسان متيم بزوجته و يستطيع تجرع طعناتها مقابل ان لا يتخلى عنها ولو لدقيقه واحده
سيناريو ٢
(السكوت علامه الرضا)
من قائل هذه العباره وماهي مناسبتها !!!!اهي عباره قيلت لفتاه عندما سئلت اترضين بأبن عمك ،وعندما صمتت ابنه ال١٦عشر عاما قيل انها قد قبلت!!!
ام انها عباره قيلت لموظف ذو شخصيه ضعيفه خاضع لمديره المتسلط الذي قد انهال عليه بسيل المعاملات والتقارير التي لم يتم التعامل معها بعد ولأنه لم يرد عليه اصبح سكوته رضا تام بما سيقوم به من عمل شاق وخارج عن ايطار تخصصه ومهنته..!!!
لا يجدر بنا الحكم المسبق مالم يصرح به صاحب الشأن،قد يكون السكوت خجلا من الفتاه التي لا تستطيع رد والديها خاصه (بزواج الاقارب)خشيه وقوع الخلافات العائليه،قد يكون السكوت نوع من انواع (الغليان الداخلي) الذي نصل اليه بمرحله من المراحل التي يعجز اللسان عن وصف ما يواجهه ،قد يكون السكوت رده فعل لا اراديه لانتهاز الفرصه الحاسمه لاطلاق القرار المناسب بالوقت المناسب سواءا بالايجاب او الرفض، لا يجدر علينا ظلم المثل ووضعه بخانه ضيقه دون توسيع فكرته واطروحته ومناسبته التي القي بها ، (دائما ما يتوارى الى اذهاننا مقوله اذا (كان الكلام من فضه فالسكوت من ذهب) وهذا المثل صريح ومباشر يعزز جانب السكوت ويحفز علىً مزاولته فبدلا من الحكم المسبق بالرضا سيصبح من الاروع التماس العذر للاخرين وكأبسط تقدير هو (السكوت من ذهب ) ارقى من السكوت علامه الرضا…

من حبك سبك

مروه النعمي


سيناريو ١
بعد نقاش حاد دار بينها وبين والدتها ، تعاود ثريا الاتصال مرارا وتكرارا على صديقتها رباب وهي بحالة ضعف وحزن شديدين راجية من الاخيرة الرد على مهاتفتها متأملة منها ان تتمكن من التخفيف والتهوين عليها اثر ما حدث بينها وبين والدتها من شجار وخلاف…
تستيقظ رباب وتقوم بغسل وجهها وممارسه طقوسها اليوميه المعتاده… الخ ثم تقوم بالتقاط هاتفها النقال للتتفاجأ وتُسعد برؤيه اتصال صديقتها المقربه التي تتعامل معها بأعتبارها اكثر من مجرد صديقه ورفيقه..

رباب والفرحه تغمرها أهلا ايتها البلهاء أشتقت اليكي كثيرا ، ترد ثريا بصوت ذابل و مختنق ارجوكي رباب كفي عن المزاح احتاج الى القليل من الجديه للتحدث معك .. ترد رباب وهي تخبىء تلك الضحكه الساخره حسنا حسنا لكن دعيني اخبرك اولا بشي بسيط لتبدأي بعد ذلك بسرد حديثك وبكل أستفاضه ،ترد ثريا بصوت مختنق حسنا أخبريني ماذا تودين القول!!!ترد رباب وهي تقهقه من الضحك اعلم جيدا ان يومي سيكون مسودا ومتوجا بالعقبات والمصائب لأنني ابتديته بسماع صوتك …
تنهمر دموع ثريا على خديها ،لا تستطيع النطق او المجاراه مع صديقتها ،ترد عليها وبكل برود مصطنع ،حسنا أعتذر لصناعتي البؤس ليومك …
تتفاجأ رباب بأغلاق ثريا لخط الهاتف و اختفاء صوتها وهي في حاله ذهًول تام وتردد مابالها تلك الحمقاء لا تستطيع التمييز بين الهزل والجد
تعاود الاتصال مره اخرى بصديقتها ولكن دون جدوى…

سيناريو٢
(من حبك سبك)كيف لنا ان نجعل مرتبه الحب مساويه لمرتبه الشتائم والسبائب ،كيف نقنع ذواتنا البشريه المتغطرسه بأن السبائب بوابه تمهدنا للوصول الى الحب ،كيف للشخص ان يصبر ع كميه الكلمات او العبارات اللاموزونه تحت مسمى الحب.. نستطيع ان نأتي من زاويه اخرى او ان نقارب الفكره بجعلها مثلا تحت اطار (القبول والتصالح ) …
من المحتمل ان يحصل التقبل من شخص لشخص حين يسيء الثاني بلفظ غير مقصود مره او مرتين ولكن مامدى احتماليه ذلك التحمل او الصبر!!!
يستطيع الشخص الاول ان يتصالح مع الفكره بحسب ارادته و مزاجه ولكن لن يستطيع ان يضمن ذلك على المدى البعيد
من وجهه نظر اخرى يوجد مثل يقول (ان المحب لمن يحب مطيع) مطيع هنا لا تأتي بمعنى الطاعه والخضوع والانصياع للمحب ولكن من وجهه نظري اعتقد بأن المعنى الادبي الكامن خلف الكلمه هو عدم الاستنقاص في شأن المحب وتقدير روحه ومشاعره ومراعاتها وعدم التفلت او فقدان معايير الاحترام والانسانيه لدى الطرف الاخر
اختصارا لكل هذه الدوامات
ان هذا المثل(من حبك سبك)ان خطونا حذوه دون اختيار الاوقات المناسبه او الاشخاص المناسبين سواءا (ام اب اخ خال ،قريب ،زميل عمل ،زميل دراسه)فأنه معروف ولدى الكل الى ما ستؤول اليه الامور اخيرا
من الجدير بالذكر انه يجب مراعاه الحالات النفسيه للاشخاص الذين نتعامل معهم ،مزاج الاخرين ليس متمحور حول مزاجك وحالتك النفسيه المهيئه لقذف سيل السبائب والشتائم او الضحك الساخر والاستخفاف ،من الرائع جدا كسر العلاقات وروتينيتها بالمزاح والهزل المقبول والمتبادل بين جميع الاطراف ولكن تحت دائره الاوقات المختاره والاشخاص المتقبلين بكل روح مرحه ورياضيه…

طريق السعادة

مروه النعمي

و أنت في طريقك إلى السعادة ، لا تنسَ أن تزيح من أمامك كل ما يعترضك و يستوقف رحلتك…
لا تنسَ أن تأخذ معك كل ألم أو حزن اكتسبته مسبقاً، ثم قم بعد ذلك بإلقائه بعيداً عن وجهتك…
لا تنسَ أن تجلب معك مفاتيح الصبر والتأني، والتي ستعينك على متابعة خط سيرك…
لا تنسَ أن تستحضر روحك المعنوية والايجابية المندفعة بكل طلاقة حتى تتمكن من الكفاح والتقدم…
لا تنسَ أن تغمض عينيك عن كل ما لا تستهويه ، و عن كل ما قد يقلل عزيمتك وتمسكك مرادك وحلمك…
و أخيراً:
لا تنسَ أن تنقي نفسك من كل الشوائب التي كانت عالقة بذهنك، حتى تتمكن من أن تصنع منك نسختك الأخرى …
نسختك الأجمل…
نسختك الأقوى…

جذور نفسية يابسة..

-أنا يا دكتور سئمت، أشعر بالجفاف في أعماقي، كأنني شجرة تؤول إلى السقوط، فكرت في الانتحار مرارًا لكنه صعب، تحرشت بأحد المشايخ المعالجين لعله يخلصني من شقائي لكن اتضح لي أنه مجرد مدعٍ، أتصدق أنه تم اتهامي بأمور لا حصر لها، هل هذا ذنبي لأنني أحببتها؟!

-لا عليك، تدرب فقط على التمارين السلوكية التي حدثتك عنها، وعد فقط من البداية واحك لي بهدوء ما يجول في خاطرك الآن، هذه جلسة علاج نفسية سلوكية نحاول فيها تحسين مزاجك والوصول لجذور المشكلة، متى راودتك هذه المشاعر لأول مرة؟!

-امممم دعني أتذكر، ربما عندما رأيتها للوهلة الأولى، شعرت بفراشات محترقة ترفرف بداخلي، كنت قد تجاوزت ألم قصة حب سابقة مع ابنة الجيران، أباها كان طاغيا وكاد أن يبيعني لساحر، أنا لا أستحق هذا يا دكتور، أريد أن أعيش في سلام لما تبقى من حياتي إن لم يتسن لي الانتحار والخروج من هذه الدائرة، كدت أفقد الأمل بالحياة لكن شيئا ما في هالتها جذبني كالمغناطيس، شعور لذيذ ولا يصدق، لكن ما حصل بعدها هو ما آلمني..

-ماذا حدث بعدها؟! هنا مساحة آمنة لك لا تخش شيئا، أنا مختص في هذه الأمور كما تعلم وعالجت الكثير من أمثالك، أكمل فضلًا..

-حسنًا سأخبرك لكن لا تحكم علي، أتعلم أنهم اتهموني بأنني السبب في كل شيء، نحولها، نظرتها الفارغة للسقف، عزلتها، تمتماتها الغريبة وشخبطات قلمها في الكراسة، عزوفها عن الزواج، وتسوس ضرسها الرابع أسفل الفك الأيمن، كوابيسها التي توقظ بسببها كل من في المنزل، حتى خراب الراديو الذي يصدح بسورة البقرة اتهموني به، انا لست مؤذيا، أقسم بأنني لا أريد سوى أن تبادلني المشاعر، هل هذا صعب؟!

-الحب ليس بالإجبار يا صديقي، لا أود مقاطعتك، أكمل..

-فقط أريد أن أحضنها ولو مرة، لا أن أمسها فقط من هالتها التي لا تقاوم، سأحضر لها حجرًا من القمر، ونبيذًا عصرته حوريات البحر، وجوهرة الجواهر من كنز مدفون في أغارثا، سأدللها، ونعيش بين الأبعاد، وسأصنع منها أميرة يتغنى بها كل الشعوب إلى أبد الآبدين..

-لحظة، المعذرة انتهى الوقت، هل تأتيني بعد أسبوع لنكمل، اذهب للاستقبال وحدث بياناتك وخذ التوصية الدوائية ولا تنس التمارين السلوكية التي علمتك إياها، اتفقنا، وأرجوك لا تنتحر إلى أن نلتقي ونجد حلًا مناسبًا..

-(يتنهد بحرقة ويكاد الهواء الخارج منه يشعل الأجواء)، حسنا يا دكتور، على الموعد..

***

(في استقبال العيادة)

-نعم يا سيد عاشق، هذه كل الإرشادات المطلوبة منك إلى موعد العيادة القادم، هل لي فقط أن أتأكد من اسمك الأول مجددًا..

-حسناً، اسمي تجده في أول حرف من كل كلمة في عنوان القصة أعلاه..

***

محطة 🌙

أنت راكب في كابينة قطار، درجة VIP، قطار طويل لا يبدو له أول من آخر، بجانبه قطارات عديدة مختلفة الأشكال والسرعات، أنت من تتحكم بسرعة هذا القطار ومدى استفادتك من فترة مكوثك واستغلال ما حولك من خدمات وإمكانات، الطرق متعددة والمسارات كذلك والمحطات متوفرة للانتقال من قطار إلى آخر وللتزود بما تريد لكن نقطة النهاية واحدة..

يمتاز قطار منها بأنه يعزز سلوك الغذائي والرياضي والصحي، مع مرور الوقت ستصل للحالة المثالية التي تريدها، نضج تجربتك الجسدية سيجعلك تفكر في الانتقال لقطار آخر تعيش قيه تجربة أخرى أعمق..

في قطار بجانبه ستعمل على تعزيز صحتك النفسية، ستفهم جذور المشاكل والترومات النفسية المتأصلة، ستتفهم تصرفات الآخرين وحزنهم واكتئابهم وستتعاطف معهم، وتستنكر أي تصرف مسيء أو صفة لا أخلاقية وتبحث عن الأسباب وستقرأ كثيرًا عن علاقة صحة الجسد بصحة النفس والعقل، ستكتب كثيرًا وتساعد الآخرين وتستمع لما ما بداخلهم، وستحاول أن يصل صدى صوتك لمن هم في مرحلة التجربة الجسدية ليكونوا في حال أفضل وصحة دائمة..

ستشعر بالرغبة في خوض تجربة أعمق، تنتقل لقطار آخر لتعيش تجربة روحية، صمت، تأمل، عزلة، انعكاس لكل تجاربك عليك، تستغل صحتك الجسدية والنفسية للوصول لأعمق نقطة في روحك، تبحث عن جراح الروح الخمسة، تهتم بتنظيف ما ترسب في الأعماق لتنطلق شرارة لا نهائية ♾️ تشبه أفعى تأكل ذيلها (كواندليني) فتفجر طاقاتك وتتحرر روحك وتفتح لك عين البصيرة الفائقة وترى ما لا يراه الآخرون فيما يشبه ESP، تنظر بحب للساكنين في بقية القطارات، وتمنح حكمتك التي اكتسبتها لمن يرغب ويستحق..

في قطار يليه، ستصعد فوقه، تحلق، تراقب، تكشف الطريق لمن تعطل قطاره أو حاد عن المسار، تخبرهم بأن الوجهة واحدة، والوصول مؤكد، والمحطات التي بالطريق فرصة لزيادة السرعة وتكامل التجارب الجسدية والنفسية والروحية، وإحدى هذه المحطات التي ستزودك بما يغنيك وتعطيك فهمًا أكبر لطبيعة الرحلة: رمضان..

حفلة في رأسي..

دفوف وطبول وصوت كأنه ثلاثة عشر غرابًا يحتضر، إن الذي أقنع هذه المطربة بأن صوتها يصلح للاستهلاك الآدمي فهو يستحق الشنق بحبل غسيل مهترئ، يزداد الصوت وينخفض وكأن أحدهم وضع عند أذني جهاز التحكم عن بعد، أود الاستيقاظ بشدة لكن جسدي وعينيّ لا يطاوعاني رغم أنني واعٍ كشخص عاد من غيبوية عميقة، ألم يجد الجيران موعدًا لطقوس فرحهم إلا آخر الليل؟!

لم أعد أحتمل فخرجت متثاقلًا إلى صالة المنزل، الجميع نائمون، لطالما حسدت الأشخاص الذين ينامون بعمق وسط العواصف والحروب وعتاب الأحبة ومدرس يشرح درسًا مملًا بحماس لا يلاحظه أحد، كيف لا يسمعون هذا النعيق المتواصل المبتهج وكأنها حفلة عزاء؟!

فكرت في الخروج إلى الشارع وتقديم شكوى للجيران لعلهم ينهون هذه الليلة بسلام قبل أن أرتكب جريمة ثم أبلغ الشرطة، فلن أذهب للشرطة وأنا أعاني من صمم جزئي؟!

الشارع هادئ كأفكار شخص يدعي السعادة، إضاءة خافتة متقطعة من عمود الإنارة الذي يسبق وجوده كل البيوت في حيّنا، السيّارات نائمة، البيوت جاثمة على صدر الشارع، والحيوانات في سبات عميق، وليس هناك صوت يحتفل من بيت الجيران، لعلهم شعروا بالخجل من إيقاظ نصف سكان الكرة الأرضية، أولم يجدوا غير ساعات السحر ليحتفلوا؟!

صعدت للمنزل، مع كل درجة أخطوها للأعلى يعود الصوت، هل كانوا في استراحة عندما كنت بالشارع، ولكن لم يكن هناك زحام سيارات المنتظرين المعتاد، أحاول أن أميز الأغنيات التي أسمعها بقليل من التركيز لكن لا فائدة، اللحن معروف وشعبي ومزعج لكن الكلمات يتهيأ لي أنها بالعربية لكنها ليست كذلك، هل هو زفاف للمتحدثين بالأمهرية أو الأمازيغية أو لهجة عربية لا نفهمها، سأستبعد العبرية فليس هناك يهود في حارتنا وإن كان بعض الجيران لو انتقل لدولة الكيان الصهيوني لتعوذوا منه..

عدت إلى الشارع مجددًاً، هدوء تام، عدت أدراجي إلى درج المنزل، يزداد الصوت مع كل درجة أصعدها، دخلت المنزل فإذا بالحفلة تزداد صخبًا في رأسي، هل أنا أتوهم؟! أيقظت كل من بالمنزل لأسألهم إن كانوا يسمعون شيئا فلعل هناك من نسي هاتفه أو جهاز الكمبيوتر على مقطع حفلة موسيقية من الجحيم، استنكروا فعلتي بإيقاظهم من نوم يأكلون فيه أرزًا بالحليب في السماء وإجبارهم على أن يعودوا للأرض ويستيقظون على منظر شعري المنكوش ونظارتي السميكة وسؤالي السخيف: هل تسمعون صوت الحفلة؟!

مرّ عامان على هذه الحادثة، حواسي معطلة، صداع لا ينتهي، شرود في الفراغ، لم أترك طبيبا مختصًا أو شخصًا روحانيًا لم أسأله عن حالتي، كل الأشعات لأذني سليمة، وكذلك كل التشخيصات النفسية والعقلية وليس هناك آثار سحر أو عمل بالمنزل، لو كان هناك عيادة تنزع الأصوات من عقلي كما ينزعون الأسنان لتوجهت إليهم، لم أعد أسمع شيئًا يذكر عدا الحفلة، كل حواراتي تنتهي بهز الرأس أو طلبي ممن يحاورني بالكتابة حتى أفهم، بدأت أميز بعض الأصوات في الحفلة وأتعلم لغتهم، هناك من يقول لي بأنني ممسوس أو أن جنية عاشقة قررت الزواج مني وهم يحتفلون منذ وقتها، لا أعلم أي جنية محترمة تقبل بي وسط هذه الحياة الصاخبة داخل وخارج رأسي، ليس لي مجال سوى التقبل، أوليس يقال إن لم تستطع المقاومة، فحاول الاستمتاع على الأقل، إن علمتم عن حل لمعضلتي فأخبروني وأعدكم بألا أدعوكم لهذه الحفلة..

إعادة تدوير الأيام

للبيع:

-يوم الهنا، يوم المُنى، ساعة السعد.. (لدي فائض لا أحتاجه)، السعر قابل للتفاوض مع رسم فائدة 3 ساعات..

-أيام طه حسين (طبعة منقحة ومزيدة)..

-أيام من حياتنا (مسلسل أميركي من 15 ألف حلقة بدأ عرضه في الستينات، تعبت من متابعته)..

للتقبيل:

-يوم قابلتهم وظننت أنني بين أصدقاء حقيقيين، هذا اليوم بمن فيه للتقبيل وافعل بهم ما أردت..

-يوم من الأيام، ذات يوم (ثيمة مستهلكة في كتابة القصص ولم أعد أحتاجها)..

-يوم سعيد (قلتها لأحدهم ولم يلق لي بالًا)..

للإيجار:

-يوم أربعاء قديم مع ليلة خميس (من زمن الطيبين كما يزعمون)، سعر الإيجار ساعة إضافية تسند يومي هذا..

-أيام ميلادي القادمة (لا أريد أن احتفل باقترابي من نهاية هذه الرحلة)، السعر ثابت فلا تحرجني، للمفاهمة التواصل على الخاص..

للتنازل:

-يوم أسود، نهار أبيض، يوم منيل بستين نيلة (وهناك ألوان أخرى إن أردت، تستطيع تذويب الأيام ووضعها في بالتة ألوان لرسم الحزن)..

-أول يوم في كل عام (وعود كثيرة وبدايات لا حصر لها وخطط وئدت في مهدها)..

-يوم للذكرى (أود نسيانه)..

للإعارة المؤقتة:

-فرحة يوم تخرجي (هدية لمن ترك دراسته رغمًا عنه، لم يستخدم هذا اليوم بعد فلقد فوتت كل حفلات التخرج رغمًا عني)..

-ودارت الأيام (لعل حظك يفوق حظي وتعود الأيام الجميلة إلى حضنك)..

للتبنّي:

-يوم جديد كنت نائمًا فيه ولم أستيقظ، (لا تنم فيه رجاء)..

-يوم 29 فبراير في سنة غير كبيسة (يتيم لم يجد من ينصفه)..

-يوم مفقود (سافرت فيه باتجاه الغرب ووصلت صباحا للشرق)..

للعرض في مزاد:

-يوميات، (كتاب ابتلع الأيام والأسرار التي لا تهم إلا صاحبها)..

-أيام زمان، (وهل لها غير المتاحف والمزادات لزبائن الحنين)..

-يوم من أيام كوكب نبتون (يعادل 6.5 يوم أرضي)..

للتبرع:

-يوم قلت فيه لقلبي: نعم (رغم ممانعة عقلي)..

-الأيام الحلوة (لم يعد يحتاجها إيهاب توفيق)..

-أيام إجازات متراكمة (توفي صاحبها ولم يستخدمها)..

ما يحدث في حارتنا، يبقى في حارتنا..

توسطّا المشهد الترابي، الألوان باهتة عدا وريقات خضراء تنبت هنا وهناك تحت (مكيفات) المنازل التي تحيط بساحة المعركة، يرتديان ملابس عدد ثقوبها يعبر عن مرات العودة من السقوط وكأنها ندبات محارب. تحت أقدامهما عُلب (نيدو) صدئة ملأى لأعلاها بالغنائم الزجاجية الملونة، أخرجا حفنة بقدر ما استطاعت أيديهما الصغيرة حَملهُ من (البرجون – marble) أو ما نسميه في لهجتنا المحلية (حَلي) ولعله من الحُليّ، نظرات التحدي في أعينهما تنبئان بالكثير لكنهما تتفقان في ضرورة العودة بعلبة غنائم (أيضًا صدئة) أو خسارة كل شي، وكأنهما في منتصف مشهد حلبة قمار في مونت كارلو وفيجاس حيث كل شيء مباح ولسان حالهما يقول:

Win it all or lose it all

يجتمع حولهما أطفال الحارة وبعض كبارها يراقبون دائرة المنتصف حيث ترتص الكرات الزجاجية الصغيرة لتكوّن خيطًا أضاف الألوان إلى المشهد الصاخب، وبين أيديهما كُرات أكبر منها موحدة اللون وتُسمى (كبّوري) وتُكنى حسب لونها (صفوري) أو (زروقي) أو (حموري) في لمحة ساخرة لمنح أسماء مدللة لكيانات مدمرة لمثيلاتها، إنها لعبة تشبه البولينج أو البلياردو ولكن على صعيد أصغر، وقفا بتحدٍ رافعان البنطال لحدود الركبة ومتخذان وضعية الرامي فيغمضان عينًا ويفتحان الأخرى لأقصى تركيز ويحاولان اقتناص الفرصة برمي أكبر ما لديهما من أسلحة (كبورية) ليمزقا تناسق ذلك الخط الملون من الكُرات منتظرين بلوغ أي كرة صغيرة لحدود الدائرة وتتجاوزها لكي يعلن الانتصار، ولسان حال الحاضرين لهذا المشهد هو: من منهما سيعود بالغنائم؟!..