
الاعتياد، اللون الرمادي الذي يسلب طاقة الألوان من حوله، هو العلاج الذي يقضي على كل الأمراض المستعصية، يكفي أن تعتاد على السرطان لتتخلص من الآمه، أو تعتاد الفقد فتدخر دموعك، أو كما في حالتي تعتاد الغربة..
الاعتياد ينتزع الإبهار من عالمك، يغذيه الروتين القاتل، تستيقظ، تأكل، تعيش يوماً باهتاً كأفلام العشرينات الصامتة، تنام قرير عين العقل أما عين الروح فقد أزيحت للمنطقة الرمادية في الدماغ..
تريد أن تتخلص من آثار فراق حبيب، اعتد على ذلك، يوم، يومان، شهر، ستكون بخير، لن ينفجر بركان لأجلك ولن تهطل الشهب لتواسيك، اعتد على ذلك، وستشرق الشمس كل يوم وتغيب ويظهر القمر عابساً والنجوم تتمزق نوراً فتحسبها -مغتراً- تومض لك..
لا شيء يهزم الاعتياد كالدهشة، المفاجآت بألوان الطيف، كتاب أحمر كالنار، مظلة برتقالية، مشاعر صفراء فاقع لونها، ضحكة خضراء، طريقٌ أزرق كماء السماء، سيمفونية نيلية وقلب بنفسجي..
كي أقتل الاعتياد في غربتي، قُدت سيارة بمقود على اليمين لأول مرة، مكثت يوماً كاملاً تحت نخلة على شاطئ بلوري، ذقت لحماً مطهياً بالجزر، رأيت بابل بعينيّ صديقين عراقيين، ركضت نحو سيارتي في المطر، وتناولت قهوة بيضاء..
الاعتياد علاج للآلام، أما الدهشة فتعيده إلى بداية اللعبة، لجولة أخرى مع الحياة..