(تشويقة من رواية: البعد السابع)
****

-ماذا تعني بقولك الفكر الحر، هل هناك فكر غير حر ؟!
-نعم دونما أدنى شك، الفكر الجمعي الذي يقوم على بوتقة الأفكار في نطاق (الجماعة)، سواء كانت هذه الجماعة طائفة أو مجتمع مدني أو قبلي، دعني أقرب لك الأمر أكثر..
تحولت البيئة التي يجلسون فيها إلى صحراء يباب، الرمال الناعمة تكسو الأرجاء على مد البصر، مجموعة من مجسمات المدن الصغيرة خلفهم على خط واحد ممتد، سماء معتمة كأعماق كهف، يقفان في المنتصف بينما ضج عقله بالأسئلة..
-قبل أن تسأل دعني أوضح لك الفرق في أنواع الفكر الحر، هناك عقل يتحرر من القيود ليكتشف الطريق، وهناك عقل يتحرر من القيود ليهرب، وهناك عقل يتحرر ليجابه ويعاند..
لو ضربنا مثلاً بثلاث أشخاص خرجوا من وسط المدن التي تراها أمامك والتي تمثل كل طبقات المدنية والحضارة والوعي الجمعي والعقل المسير، فلا ترى إلا ما يرى سكانها..
قيل للثلاثة أن هناك صحراء شاسعة لا ترحم أمامهم، فإن اختاروا خوضها فعليهم الخروج من المدينة، هذا سيعني العزلة والوحدة..
أولهم تمرد واختار الصحراء فمشى فيها في ذات الظروف التي نقف فيها الآن، على غير هدى، فلو أنت مكانه إل أين ستصل؟!
-أغلب الظن أنني سأموت من غير أن يعلم بي أحد، سأتخبط في الوجهات وسأحتار في اختيار طريقي، كل الطرق لدي مشاعة إلا طريق العودة لما هربت منه..
-أحسنت، ماذا عن الآخر الذي قرر العودة والمجابهة وأن يعيش على حافتها، بين المدنية والصحراء ؟!
-سيضيع حياته في الجدل على ما أعتقد، يريد أن يثبت لهم أن المدنية خطيئة وأن الصحراء هي الحل، لكنه لم يجرب خوضها وهم لن يجربوا الاستماع إليه وسيعتبرونه مارقاً وانهزامياً..
-ماذا عن الثالث الذي سيخرج وقد حدد طريقه ؟!
-سيصل حتماً، ولكن كيف ولا يوجد أي وسيلة لمساعدته في الخروج من التيه ؟!
-انظر معي إلى الأعلى ..
نظرا معاً وإذا بالسماء المعتمة تزينت بمصابيح وأنجم وازدانت بسحب المجرات العنقودية والمخروطية..
-يا رباه، منظر يلين له القلب وتتوق إليه العين..
-سيستطيع صاحب الفكر الحر أن يهتدي بهذه النجوم، فإن فعل فسيصل إلى النهاية، ترى لو كنت مكانه هل ستصل ؟!
-نعم طالما اهتديت بها وتابعت المسار إلى آخره.. ولكن ماذا سيحدث حينما أصل ؟!
-ستصبح نجمة..