لماذا أنا موجود في هذه الحياة؟!

سأكبر وأدرس وأجد عملًا وألتقي بشريك الحياة ونجلب أطفالاً لهذا العالم وأوفر لهم بيتا وملاذا وأرعاهم إلى أن تنتهي الحياة، ربما في خضم ذلك أقرأ واسافر وأمارس ما أحب، وسأنمي جانبي الروحاني وأعبد الخالق وأتأمل وأرجو أن يكون مأواي الأخير هو الجنة، وسيكبر أولادي ويعيشون نفس نمط حياتي ويأتون بأطفال آخرين لهذا العالم يعيشون بنفس الطريقة ويذهبون ثم يأتي زمن لا يعرفني ولا يتذكرني فيه أحد حتى من تربطني بهم قرابة الدم من الأجيال التالية كما أنني لا أعرف شيئا عن أجدادي الذي عاشوا في قرون قد خلت..

وكأنني حرفٌ، في مجلد كبير اسمه الحياة، في مكتبة ضخمة اسمها الكون، مجرد حرف..

لكن تأمل يا صديقي في هذا المثال، صحيح أنك حرف لكنك تهب المعنى للكلمة، والكلمة تهبها للجملة، والجملة للكتاب، وهكذا..

أنت حرف كالشجرة، كالطير، كالنملة، كالغيمة، كالكوكب، كالنجم، لديك هدف سامٍ في هذه الحياة وأسمى من كل شيء، إن حياتك وعبادتك وسعادتك وما تقدمه لنفسك وللآخرين، هي من تصنع المعنى، حتى بأحزانك أنت فراشة في شرنقة تنتظر الخروج، أنت فكرة تريد أن تعبر للنور، أنت قطرة نور في محيط كله نور..

خلقك الله لتساعد بيتك الأعظم لينمو ويتمدد، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بوعيك، أن تؤمن بأن الطريق إلى التنوير شاق، والتوازن الطبيعي يقتضي أن نغوص في الوحل أحيانًا كي نغتسل بعدها أكثر ويصبح نورنا أقوى، تذكر أنك لست إنسانا بداخله روح، بل روح تلبس جسدًا لتحقق هدفًا أعمق، مثلك مثل بقية المخلوقات، لكن الله ميزك بالعقل والوعي وكأنك القطعة الأخيرة من اللغز، المصدر الذي يشع نورًا أقوى من أي نجم، الروح التي لا تعرف المستحيل وتتوق للعودة إلى بيتها بين النجوم، لترى الكون يتمدد، وتسبح بحمد ربها بين ملائكته..