ويا لها من نظرة

يأتي الإلهام بلا سابق إنذار، وأعرف أنه لا يهتم بمناسبة التوقيت، يمرّ مشهد ما أمامك في طريق مزدحم فتهطل عليك فكرة نص أو رغبة للرسم أو التقاط صورة تخلده لكن الزحام يجبرك على المُضي في طريقك رغم أنك ما زلت متسمّرًا في اللحظة، فتقوم عيناك بالمهمة وتُبقيك في أتون الرغبة إلى أن تقرر الوقوف جانبًا وتنقل المشهد إلى يديك لتمارس سحرها عليه لئلا يتسرب رمل ذاكرته ولا يعود..
هكذا شعرت يوم قابلتك، تسمرّت عينيّ، لم أحمل مظلتي معي فسقطت الكلمات والبورتريهات على رأسي بينما وقف الإلهام جانبًا يضرب كفًا بكف، أنت من أتيت بلا سابق إنذار هذه المرة، أردت حقًّا أن ألتقط ما تساقط لكنك طالعتني بنظرة، لمحتها وغصت في بحرها، نظرة جمدت الثواني وأوقفت رفرفة الفراشات والطيور المحلقة والسدم السرمدية من أكبر جرم لأصغر وتر فائق..
تلك النظرة التي احتبست الكلمات خلفها وتراقصت المعاني في عمقها، تحكي حبّاً غامراً، عشقاً خالداً في أديم الزمن، يحرر الثواني وأجنحة الفراشات ويعيد الطيور لدربها والأبعاد لتوازنها، فما الكون إن لم يكن عينيك..
لم يكن حُبًّا من النظرة الأولى..
كان من نظرة لا تعترف بالترتيب ولا تنحاز للأولويات..
ويا لها من نظرة..

رسالة من شهر الحب

قد لا تستوعب عقولنا طريقة حصول الكثير من الظواهر الطبيعية لكنها بالفطرة مدربة على الملاحظة..
العقل يرى الشروق والغروب، المد والجزر، الفناء والبعث، الولادة والموت، تحول فراشة، غناء دلفين، تحليق صقر، صراع البقاء بين مفترس وفريسة، فيعلم أن الطبيعة مرآة للحياة، لأحلامنا، صراعاتنا، سعينا الحثيث نحو فهم الغاية من وجودنا..
الأقدمون فهموا الطبيعة بذات الطريقة، وزادوا عليها أن تتبعوا الأنماط، فمثلما ترتفع الأمواج وتهبط وتهرع إلى الشاطئ، فالقوى الخفية في الكون كذلك، راقبوا النجوم وحركتها، والأنماط المتكررة في الأشهر من كل عام، فكان تبعًا لذلك أن حددوا أيامًا بعينها تناسب الزراعة، الحصاد، الاحتفال، الاعتدال، العزلة، والابتهال للإله..
ولأن العامة قد تشغلهم حياتهم عن المراقبة بوعي، لجأ العارفون إلى تغليف هذه الأيام بقصص تناسب فهم الشارع، وبعضهم استغلها دينيًا ليستدرج عاطفة الأتباع كأيام الفصح والكريسماس والفلنتاين..
الفترة التي تسمى شهر فبراير هي فترة شهر الحب، شهر العاطفة المتوقدة والانتماء، سواء غلفت باسم فلنتاين أو بغيره، لا تستطيع ألا تشعر بالحب في الأجواء، تمامًا كما نشعر بروحانية رمضان والحج، ومن نعمة الله علينا أن أيامنا التي نحتفل فيها هي وحي خالص..
راقب الطبيعة جيدًا وتأمل واقرأ واستقصِ الحكمة، لا يهم المسميات بقدر اغتنامك للمشاعر الطيبة وانسجامك مع رسائل الكون الطبيعية..