البطل الذي لا يُمس

عشت ما يشبه أفلام الأكشن المبتذلة، استدعتني روحي لمهمة أخيرة أنقذها فيها، الصحوة الروحية الكبرى، لطالما استنزفني العالم الخارجي وعشت حروبًا طاحنة لأنقذ روحي في كل مرة، كانت الليالي السوداء للروح والصواعق الكارمية تهجم علي واحدة تلو الأخرى تماما كما الأشرار في الأفلام فلا يهجمون دفعة واحدة بل يتخطفهم البطل الذي لا يُمس بقبضته فردًا فردًا بينما ينتظر البقية دورهم..

استطعت تجاوزهم بصعوبة لأصطدم بأكبر عقبة، الإيجو المتصاعد بداخلي، إما أكسره أو يكسرني، الروح لا تجيد التعامل مع ارتفاع الإيجو بل تنهزم وتنزوي، ولأنه خصم قوي مهمته في الحياة أن يقدم لي دروسًا مجانية في حب الذات عوضًا عن النرجسية فاكتفيت بإخراسه وإيصاله لمرحلة الاتزان بدلًا من قتله، تمام كالشرير الرئيسي في الفيلم نقبض عليه ولا نقتله فالأبطال لا يقتلون أعداءهم كما تعلمون..

ولكوني بطلٌ لا يُمس ولا تهزمه الدموع وبقايا الاكتئاب، استيقظت على تكات الساعة الأخيرة قبل أن ينفجر صوت المنبه في أذني، وعادت روحي لمكانها ووعدتني أن تتركني أعود لعزلتي بسلام..

قبل أن يعيدوا نظاراتهم إلى أماكنها..

هناك نظارة خفية نرتديها لرؤية الأشياء البعيدة عن متناولنا، نظرة انبهار ممزوجة بفضول وشغف لمعرفة المزيد، منتج ما يتحدث الكل عنه ونحن لا نعرفه، شخص معين قد يكون مشهورًا أو مغتربًا أو لديه حضور طاغٍ، شيء ما بداخلنا يريد أن يكتشف هذا المجهول، نقترب منه، نلمسه بلا تحفظ كسائر على الماء لا يخشى البلل..

ما أن يقترب منا ونراه، تزول الهالة، نضع النظارة في جيبنا، ما أن أصبح في المتناول حتى فقد قيمته، ليس هناك من جديد لنعرفه عنه، ربما هناك حكمة في وضع حاجز أمام اللوحات الثمينة في المتاحف كي لا نقترب ونرى التشققات التي اعترتها، لم يرحمها الزمن فسُخر لها من يضع حواجزًا تعيد النظرة الأولى..

وصفني أحدهم بأنني (غامض)، ربما، لا أعلم إن كان غموضًا أم حفاظًا على حاجز وهمي يمنعهم من اكتشاف ما أنا عليه حقًا كإنسان، ربما أن الغربة كانت عاملًا مهمًا يغريهم بالاقتراب والوعود باللقاء حال عودتي، وبما أنني صرت في المتناول وأعادوا نظاراتهم إلى أماكنها وتبخرت الوعود، فلعلي أحتفظ بهالتي وطاقتي، فما زلت أشعر بأنني في غربة وإن كنت في وطني، ربما ينبغي علينا جميعًا أن نصبح غامضين لحد ما، لا جدوى من أن تكون متاحًا كأي موضة عابرة سرعان ما يتم تجاوزها..