
شيئًا فشيئًا انفصلت عن الحياة، كأنني نمت قرونًا في كهف ولا أعلم كم لبثت، في غيابت جُبّ ولا سيّارة تلتقطني، في صفحة منسية من رواية لم يجرؤ كاتبها على نشرها..
شيئًا فشيئًا ازداد انعقاد حاجبيّ مما أرى، أريد المواجهة ولكن يخيفني الواقع، حياة تُسيّر بالعلاقات والمصلحة، قلوب سوداء متنكرة بقناع رجل مبتسم، وصحبة توقد على الطين ليبنوا صرحًا على أنقاض هزائمي..
شيئًا فشيئًا تجادلني عزلتي، “أنت من ابتعدت، أنت من ارتحلت، أنت من فكرت وخططت ونفذت، العزلة ارتقاء وأنت أردتها فرارًا، العزلة انتشاء وأنت من قررتها خيارًا”، هنا تقف بقية الخيارات على الحافة تراقبني وأنا على وشك القفز إلى صخور القاع، لسان حالها يقول “خيار الموت ليس بيدك، خيار الرحيل ليس من جنسنا، نحن خُلقنا لمن يرغب بالحياة”، ترتطم الأمواج غاضبة بالصخور أسفل مني، البحر لن يحتوي مأساتي، لن يبتلع خيباتي، لن يصبح مقبرة المنهزمين..
شيئًا فشيئًا يتجلى لي النور، يفيض الوعي، تقترب مني الحياة وتمسك بيدي، تتسع حدقتا عينيّ، تحتويني عزلتي وتقدمني للعالم، أخرج من كهفي، أتسلق الجب، أتمرد على الرواية، أواجه الواقع ولا أخشى الهزيمة، أجرد القلوب من أقنعتها، أهدم صروح خياناتهم، أناجي خيارات الحياة لتكشف لي أسرارها، وألوّح للموت من بعيد بأن الوقت لم يحن بعد، وأربتّ بحب على الأمواج وأغني للبحر أغنية العائد..