وسم..

لم تكن في منزلنا مصدرًا للسعادة فحسب، بل كانت فردًا حقيقيًا من العائلة، تشاركنا الأفراح والأسرار والذكريات وإن كان تعبير وجهها واحدا لا يتغير، لكن تفضحها عيناها إذا اتسعتا..نَهَرت أمي أخي يومًا إذ عَمِدَ لوسمها خلف اذنها بملعقة ساخنة تاركًا شكل هلال مكتئب ومواءً خائفًا لا يشبه أي شيء سمعته من قبل، فانزوت تحت دولاب قديم وامتنعت عن الطعام والشراب وكأن صدمة الموقف أفقدتها ملامح وجهها الجامدة واتساع عينيها فصارت أشبه بمومياء نسي الطريق إلى الجانب الآخر من الموت..

مرت أيامًا معدودات علينا وبعدها لا شيء، لا شيء تحت الدولاب، ولا في المطبخ، ولا في الغرف، لم نترك شبرًا في البيت غير مقلوب، بحثنا حتى في أضيق الأماكن التي لا تخطر على بال حشرة، ولم نترك مكانًا بالحي لم نبحث فيه عنها، لا شيء، اختفت قطتنا الأليفة، غابت كتلة القطن الناصعة عن المكان، وغابت حلاوة المكان معها..

مرّ شهر أشبه بعام، عدنا لهواتفنا التي لم نكن لنفتحها إلا لالتقاط صورها وتوثيق حركاتها الطفولية عندما تتمدد على الأرض احتجاجًا منتظرة أحدنا ليمسح على جسدها ويراضيها أو عندما تتثاءب كأنها شبل صغير يقلد والده وينتظر الزئير ليهدر المكان بحضوره..

خرجت مع أخي بعدها للحي المجاور نبحث عن مكان يبيع الفرح، كان يطالع المحلات وكأنه يتابع ألبوم ذكريات لعائلة لا يعرفها، وفجأة صاح ولوّح بيديه في وجهي “القطة، القطة، هناك”، توقفت وعدنا أدراجنا لذلك المحل، دخل كالمجنون يبحث عن منفذ إليها ليأخذها، وأنا واقف أعتذر بشدة لصاحب المحل عن هذا الاقتحام، أحضرها بين يديه وهو يقول، “قطتنا يا أخي، انظر خلف أذنها، هذا ذات الوسم الذي وسمته إياها يوم نهرتني أمي، وجدتها”، أشفقت عليه، توسلت لصاحب المحل أن يبيعها منا رغم تعجبه، وأخذناها إلى السيارة وسط فرحة أخي الهستيرية ودموعه التي لم تكف عن الهطول، نظرت إليهما وقلبي يعتصر، كانت هي بالتأكيد قطتنا بكل ما كان فيها، ولكن (محنطة)..

جريمة لا تغتفر..

وبعد الاطلاع على الأحداث بتجرد، وقيام الجانيان عن سابق إصرار وترصد بالإضرار بعلاقة مقدسة، وحيث أنهما تجاهلا صوت الروح وسلمّا الأمر للإيجو، فإننا نحكم بما يلي:

المجني عليه: علاقة عميقة لم تكن لتنتهي

الجاني: طرفي العلاقة

الجريمة: موت بطيء للعلاقة

سلاح الجريمة: الإهمال

ظروف الجريمة: الوقت تكفل بذلك

الحكم: تحجب السعادة عن كليهما لأجل غير مسمى

حيثيات الحكم: إن تعلم كلاهما الدروس سيعاد تقييم الحكم

تم تصديق الحكم بشمع أحمر متقد وتعليقه على قلبيهما لحين انقضاء المدة..

قاضي الأرواح المتآلفة

في قهوة ع المفرق

اللون الذي يكتسي عينيك يشبه قهوة صباحي، حتى وإن قبّلتْ عينيك الشمسُ في ظهيرة كهذه سأرى لمحة لبقايا كاراميل مخفية في العالم الداكن الذي يسكن بداخلها، عميقة نظراتك وتذكرني بيوم سقطت في فضاء قديم يشبه العوالم الأولى والضحكة الأولى والرشفة الأولى، الأولويات التي لم تفارق ذاكرتي المهترئة بينما أنا هنا أحاول أن أتذكر اللحظة الأولى التي رأيتك بها، عيناك تحاولان إخباري، وتموج البخار من كوبي يتمايل ويمتزج بطيفك، هل أنت حقيقة أم ذكرى تمردت من بقايا أحلام بائدة وأطلال حياة غابرة عبرت من خلالي، هل أنت تلك العينين، أم أن قهوتي تتلاعب مشاعري؟!

برغم كل ما قاسيته وكل ما تناسيته، ورغم صوت فيروز وهي تغني (تخلص الدنيى. ومافي غيرك يا وطني) وأنا عالق وأحاول التقاط أي ذكرى تعطي الأمان لعقلي الذي يشتكي من فقدان الذاكرة المؤقت، أي ذكرى عابرة يتشبث بها عقلي ولو كانت لأشخاص لا أعرفهم كمن هم أمامي يتهامسون ويتساءلون عن سر حديثي معك، ويكاد يقتلهم الفضول وهم يرونني أحادث كوب قهوة يتصاعد بخاره للسماء ولا يعود، كذكرياتي التي نست نفسها وصعدت هناك معتقدة أنها أمنيات أنهت مهمتها، كرائحتك التي تشبه الصباح وفيروز والحياة..

سئمت التظاهر بأنني توقفت عن حبك، والنسيان الذي ينتزعك من مروجي زهرة زهرة إلى أن أصبح قاحلا عاجزا عن استرجاعك، لا سواها القهوة تعيدك إليّ، رشفة من عينيك وأخرى من مبسمك وثالثة من روحك والرابط الأثيري الذي ما زال يجمعنا، أعتصر ذهني لئلا تهربي من كوبي الذي يحمل تفاصيلك وسط سائل داكن، وبينما يحادثني شخص ما يحمل على صدره شارة بها اسمه وكلمة باريستا: ” أرجو أن قهوتنا الجديدة يا أستاذي قد أعجبتك فهي من مزرعتنا في جبال فيفا، قهوة سعودية فاخرة”..
هنا عرفت السر، فهذه القهوة أصبحت وطني، ففيها رائحتك وعينيك، وبقايا كاراميل خفية لا يراها سواي..

حب الكتابة وكتابة الحب..

كاتبٌ ما، في زمن ما، قرّر أن يخلد حُبًّا حقيقيًا عاش أحداثه بشغاف قلبه، وأن يتيح فرصة لخيالاته لأن تتجاوز الجدار الفاصل بين المنطق والكتابة، حيث أن الكتابة فعل لا يتقيد بالمعقول ولا ينصاع للقوانين المفروضة عليه، كذلك الحب الحقيقي لا يعترف بزمن أو أمكنة أو تقاليد بالية، ففعل الحب يقع على رأسك بدون مقدمات، ولذا فإن الحب والكتابة وجهان لذلك التمرد على المألوف، وجهان للخلود..

نوى الكاتب أن يزرع فكرة، استعرض الكلمات التي يعرفها، استعان بالكتب التي قرأها، نظر للسماء حينًا وللأفق حينًا، يبحث عن غيمة تروي فكرته، عن نجمة تتبنى حلمه عندما يطلقه إلى الأعلى، كان يجول النظر هنا وهناك، يبحث عن عينيها، عن تأثير ساحر يعيد شغفًا راحلًا وأملًا مؤجلًا، شيئًا ما يُرجع إليه هاجس الفكرة، المساءات الأولى، انبهار البدايات وشهقة الرحيل، وفكرة يخلدها عن الحب والكتابة..

بيد أنه عانى أيما معاناة، فالكتابة عصية حينما تنتظرها، تصافحك بيد وبالأخرى تعطيك قفلة الكتابة، ستعطيك سببًا لتبدع وأسبابا أكثر لتهرب، ستهديك حواسًا إضافية وحيوات لا حصر لها، وستجردك من ذاتك ومن يراعك وأفكارك، فقط لأنك تريد آن تكتب عن الحب، لك أن تحب الكتابة لكن إياك أن تكتب عن الحب وأنت راض ٍ ، السبيل الوحيد لذلك، أن تصادق الكتابة، وتعطيها المجال لكي تخلد هي قصة حبك، بلا تدخل منك..

رسائل مني إليّ..

إلى وليد

بتاريخ 15/5/1978

يومان قبل ولادتي

“أمامك حياة حافلة، لا تثق جِدًا، أو تعطي جِدًا، أو تتفائل جِدًا، فتحزن جِدًا جِدًا جِدًا.. توازن وتعلّم وتطوّر ما استطعت..”

إلى وليد

بعد خمسة أعوام من وفاتي

“قلت لك، لن يتذكرك من أفنيت وقتك لإرضائهم، لن تشفع لك اختياراتك، لن يرضوا عنك وإن صببت العسل في أفواههم، لن يرحمك سوى من نفخ النور فيك، لكن يكفيك أنك تركت أثرًا يُروى خلفك..”

إلى وليد

في العالم الموازي

الطبيب الذي انفصل عني ورفض قرار استسلامي واستمر في مفترق الطريق

“لو كنت فقط أعلم الوصفة التي ساعدتك للاستمرار، ربما كنت مثلك، ولكنني كنت سأفقدني حينها، فحلم الطبيب الذي فقدته أرشدني لأحلام عدّة ومواقف عدّة وذكريات لا حصر لها، شكرًا لأنك لم تستسلم وأصبحت طبيبًا، وشكرًا لأنني لم أستسلم وأصبحت أنا..”

إلى وليد

بطل الرواية التي كتبها أحدهم فاعتقدت أنني شخص حقيقي

” مرهق أن نقفز عبر الصفحات نبحث عن منفذ إلى العالم، في كل مرة تفادينا رغبة الكاتب في اغتيالنا أو تحويلنا إلى شهداء ليُثبت صحة قناعاته عن التضحية، كُنا تتملص بين الأسطر، نحمل خيوط العوالم بين أيدينا نفرزها لنعود إلى خيط حياتنا الحقيقية، علينا أن نعود قبل أن تنتهي الرواية وتُطوى الصفحات ويُوضع الكتاب في مكتبة لا يزورها أحد”

الفتى الذي أراد أن يسرق قوس المطر

(1)

الحادية عشرة ظهرًا، الشمس أشاحت بوجهها لليوم السادس على التوالي، تشرق ولا يراها، نورها يترك أثره في جنبات النهار لكن لا أثر لها في السماء التي تارة تختبئ خلف ستارة كثيفة من الغبار وتارة تفتح أبوابها لمطر منهمر، ولا أثر للشمس، ولا لقوس المطر..

رأى الشمس قبل أيام بوجه أبيض، سأل معلمه عن ذلك “أليست الشمس صفراء يا معلمي؟!”، بدد المعلم حيرته بقوله: “الشمس بيضاء يا (نائل)، كل النجوم كذلك، وما نراه في السماء من تدرج للون الشمس بين الأصفر والبرتقالي والأحمر هو بسبب الغلاف الجوي، تماما كما نرى البحر بدرجات لونٍ أزرق والسماء زرقاء، ولولا ذلك لما ميزنا خط الأفق بين السماء والبحر”، أقنعه كلام معلمه خاصة وأن القمر يعكس نور الشمس، وكما نرى القمر أبيضًا لنتذكر أنه مرآة تعكس الشمس إلينا ليلًا كي لا نتوه في الظلام..

إحدى عشرة دقيقة مرت وما زال يرقب الشمس خلف زخات المطر الذي بدأت وتيرة سرعته تخف تدريجيًا، ولليوم السادس على التوالي يبحث عن قوس المطر ولا جديد تحت الشمس، نادته شقيقته الصغيرة (نيروز):

-(نائل)، أنا حزينة، لا أستطيع أن أرسم المزرعة..

ألقى نظرة على ما رسمته، على الألوان الشمعية التي استحالت كتلًا رمادية بلا ملامح، على منظر أمه على فراش المرض وبجوارها قناني الأدوية التي فقدت ملامحها فلا يدري أيُّها للسعال وأيُّها للقولون، حتى هاتفه المحمول شاه منظره وفقد معه حماسته لتصفح منشورات أصدقائه وأخبار العالم من حوله، النافذة المطلّة من بيتهم الريفي على مزرعة والده الراحل تعطيه إحساسًا كئيبًا بالوحدة والموت، أينما أرسل نظراته لا يجد سوى درجات الرمادي، فالألوان غابت عن الوجود يوم اختفى قوس المطر..

اقتربت (نيروز) واحتضنت يد (نائل) قائلة:

-(نائل) أنا حزينة جدا، من الذي سرق الألوان؟!

أجابها بكل حسم وهو يرتدي درعًا خفيًا من المسؤولية والبطولة:

-سأكتشف ذلك اللغز المحير، وكما سُرق قوس المطر فسأسرقه وأحضره إليك لتكملي رسمتك وتتناول أمي دواءها..

بابتسامة واسعة وعينين لامعتين كأنها اكتشفت سرًّا كونيًا:

-(نائل)، أخبرني الأقزام بأن في نهاية قوس المطر جرة ملأى بالذهب، أحضرها معك كي أشتري حلوى وشوكلاتة وألوانًا جديدة، أرجوك (نائل)..

ضحك على خيالها الواسع، ووضع يده على رأسها:

-بالتأكيد أميرتي الصغيرة، سأحضر الجرة والأقزام وقوس المطر ولو اضطر الأمر لسرقتها جميعًا..

عاد إلى مكانه بجوار النافذة ومكث برهة يستعد ذهنيًا لقراره ويراقب نزول قطرات المطر ويتخيل أنه قطرة ناضجة قررت الرحيل من منزل السحابة التي احتضنته وأرادت تحقيق هدفها الأسمى من الحياة وتساهم في إحياء الأرض..

إقرأ المزيد

النجاة من فخ الكتابة..

ما أن يحط الكاتب رحاله عند حدود الكتابة، تتحول الأفكار إلى غابة موحشة مظلمة تحتاج لرحالة خبير في الملاحة ليجتاز هذه الأفكار والأشواك والأفخاخ، وكذلك لكي يخرج منها سليمًا قادرًا على الصعود للقمم التي ستتضح ملامحها حالما يجد ضالته في غابة الأفكار..

هذه وصايا للحفاظ على ثباتك العقلي وتدريب مهاراتك ومرونتك، لتلتقط الأفكار وتتفادى الأخطار عليك أن تكون مستعدًا كما تعلمنا في الكشافة قبل خوض الرحلات البرية..

أول وصية هي: وجّه بوصلتك..
الشمال هو الخيال والجنوب هو الواقع، وما بينهما 360 درجة من الإبداع، أينما توجهت ستصل، لكن حدد أولًا، ماذا سأكتب؟! لمن سأكتب؟! كيف سأكتب؟! متى سأكتب؟! ولماذا سأكتب؟!
إن حددت الاتجاه ستوصلك البوصلة بسلام، لا تنس الاسترشاد بالنجوم إن استطعت، فهناك كُتّاب اختاروا السماء وجهتهم وكانوا مصابيح لمن بعدهم..
احذر من فخاخ النجوم المزيفة ودور النشر الاستغلالية..

إقرأ المزيد

لا تقابل أبطالك..

من اللحظة الأولى التي رأيت فيها تزاحم زملائي بالمدرسة على شباك المقصف، مرورًا بالأرتال البشرية التي تتسلل لتحظى بلمس الحجر الأسود أو رمي الجمرة الكبرى، وبرفقة مشاهد التدافع على رغيف العيش في الأفلام القديمة، وصولًا لحالة الازدحام لجماهير تنتظر فريقها وثلة مهووسة بنجم ما تريد التقاط صورة معه أو تحظى بتوقيعه على كرة أو قميص أو كتاب أو حتى جبهة فارغة، وأنا أهرب من زحام البشر كمرتحل عند بوابة مدينة أصيبت بالطاعون في القرون المظلمة..

حالة الاكتظاظ هذه لها ألف تبرير عندما تتماسّ مع احتياج بشري كالأكل أو روحي كالعبادة، لكنها كذلك تغذية سلبية لغرور بعض من يرى أن شهرته هي تذكرة ذهاب إلى قلوب الناس بلا عودة وأنه شخص جدير بالاحتفاء وحتى الاقتناء، فهو بطل، أليس كذلك؟!

إقرأ المزيد

الباب الذي كانت نهايته (سودا)..

يقال -وركز معي في الموضوع عزيزي القارئ لأنه ثبت علميًا وأنت تعلم ما معنى أن يكون الموضوع ثبت علميًا فهذه الإجابة الملجمة لكل المشككين- نعم، نسيت بداية الموضوع، آه نعم، يقال أن هناك واقعً نعيشه الآن أو ما يسمى reality، وواقعٌ بديلٌ أو ما يسمى Alt-reality وربما نستخدم الجمع في هذه الحالة لكنني لا أعرف جمع كلمة (واقع)، ألم أقل لكم أن قفلة الكتابة تنسيك حتى أساسيات اللغة؟! قلت لكم ذلك من قبل، أليس كذلك؟!

عمومًا – استخدمت كلمة عموما لأنسيكم حقيقة أنني لم أعد أحصل على أفكار للكتابة كما السابق- نعم، آه عمومًا، الآن أكتب المقال هذا وأستحضر المعلومة السابقة، واقع أصلي وواقع بديل، بل تتطرف المعلومة لتقول أن كل ما نتخيله يقع، بمعنى أن شكسبير عندما كتب مسرحياته، نتج عن كل قصة واقع بديل لأبطالها، كأن فرعًا بسيطًا انبثق من شجرة عقله واستقل، هذا الفرع branch يحمل واقعه الخاص، بذات الطريقة تعيش كل أساطير العالم في أفرع نبتت من خيال كّتّابها في عالمها الخاص وأصبحت شيئًا حقيقيًا، هل فهمتم قصدي أم أن قفلة القراءة داهمتكم أيضًا، أقصد قفلة الكتابة، لحظة، أنا الكاتب فلماذا تداهمكم هذه القفلة؟!
لا عليكم، عمومًا، أنا أكتب هذا المقال عن العوالم البديلة -لا أعرف جمع كلمة واقع فلا تزعجوني- أكتب المقال في منزل صديقي (يحيى) الذي كتبت له الإهداء في كتابي السابق (الأبواب التي رأت) وقال لي يومها بعد أن قرأ قصص الكتاب: (نهايتك سودا يا وليد)، ثم أطلق ضحكة شريرة بعدها، لم أفهم الرابط العجيب، لكن تذكر يا (يحيى) أن الكتاب صدر منذ أربعة أعوام ثم داهمتني قفلة الكتابة بعدها، أظن لوجود اسمك سبب فيما يحصل لي، نهايتي سوداء ومنيلة بستين نيلة لأننا أصدقاء..

إقرأ المزيد

سأؤمن به عندما أراه في سلوكك

البعض يتذمر من ممارسات مدربي وموجهي -ما تعارفنا عليه اصطلاحا- بمواضيع التنمية الذاتية أو الطاقة والجذب وغيرها

فنسمع مصطلحات تهكمية مثل (أيها الطاقة الإيجابية احضري!) أو (ردد معي: أنا أستطيع)

وغير ذلك من (الطقطقة) المباحة والتي يستحقها من يتعامل مع هذه الأمور بسطحية سواء ممارس أو متابع أو معارض

من يتناول هذه العلوم بغرض التكسب أو التعالي بعلمه أو إعلاء للإيجو بداخله لا يختلف أبدًا عمن يردد كلمات الحب وهو لعوب أو يصلي وهو فاسد أو يصوم متذمرًا أو يمنّ بزكاته وصدقاته وكذا من طائفة (يقولون ما لا يفعلون)

هل من العدل أن نحكم بعدها بأن الحب لا وجود له أو أن الدين ليس له تأثير على الفرد؟!

لذلك نقيس نفس القياس على هذه العلوم والمعارف التي تخاطب العقل والروح في آن واحد

قد يجادلني أحدهم بأن الدين قد يعارضها

وهذا في نظري مبالغة

ديننا العظيم الذي فرضه الله على البشر منذ نزول آدم

ترك لنا تشريعيا تطبيقيا لرفع استحقاقنا وهالتنا وطاقتنا يسمى (أركان الإسلام) والعبادات المختلفة ليشترك الجسم والعقل والروح في تطبيقها لأجل حياة أفضل

وترك لنا منهجًا إيمانيا يتعامل مع العقل والروح على حد سواء وهو (أركان الإيمان) فكل ما يتعارض معها باطل

وهو أقوى مرشح يفلتر العلوم المختلفة التي انتشرت مؤخرا ومهما كان مصدرها الأساسي فالحكمة ضالة المؤمن

وترك لنا كذلك أسلوب حياة يهتم بالروح وترقيتها لأبعاد عليا تسكنها الملائكة وهو (الإحسان)

لأننا بالإحسان سنتزامن ونتحد مع كون الله وخلقه ومخلوقاته ونكسب معية الله في كل صغيرة وكبيرة

لذلك لا خوف على المؤمن من أي تجديد للعقل ومن أي علوم تخاطب الروح وتهتم بالهدف من وجودها في التجربة الأرضية ومعرفة رسالتها الحقيقية

لذلك باختصار

أي طريق لا يؤدي إلى الله فهو باطل

وأي علم أو تبشير أو عمل أو توجيه

لا يظهر في سلوكياتك وطهارة قلبك وروحك

فهو منك يا صديقي باطل