تشويقة من رواية (البعد السابع)
****
ازددت حيرة، كل ما يتحدث به يقربني من الحقيقة أكثر، بدأت أرى الروابط الخفية التي توضح لي الصورة، لكنني عاجز عن التعبير عنها بشكل لا يوحي لمن يسمعني بأنني فقدت عقلي، هممت بسؤاله عن طريقة للتبسيط، تحويل الأفكار والصور في رأسي إلى أحرف، هزّ رأسه موافقاً رغم أنني لم أسأله بعد:
-أعلم ماذا يدور في رأسك ؟! كيف رأيت الحقيقة وكيف تري ذلك للناس ؟! أليس كذلك ؟!
هالتني قدرته على رؤية الاسئلة وهي تحوم حولي تبحث عن إجابة لتحط رحالها فيها، قررت الاستيضاح منه لاحقاً عن قدرته هذه وانتظرت توضيحه لمعنى الحقيقة..
-نعم، هذا ما أفكر فيه تماماً..
وقف بجانبي وأمسك بيدي وقال :
-تخيل جداراً عظيماً أمامك
ظهر جدار أبيض ضخم من العدم، وبدأت معالم لوحة تتشكل عليه، خليط من المدارس الطبيعية والسريالية والتعبيرية، يقال أن العين البشرية تميز 250 ألف لون وأظن بأنها جميعاً في هذه اللوحة، لدرجة أنني كنت أتذوقها وأشمها وأشعر بها أيضاً، لوحة لا أبين تفاصيلها لكن ألوانها تغمرني..
-أريدك بأن تتحدث عن اللوحة..
وصفت له شعوري بالألوان، أعادني خطوات للوراء، بدأت معالمها تظهر أكثر، وكأنها فسيفساء للكون وتاريخه العظيم..
-حدثني الآن أكثر..
وصفت له انبهاري بالتفاصيل والروابط بين جزئياتها، ابتسم وأعادني للخلف خطوات أكثر، ازداد انبهاري، رب ما خلقت هذا باطلاً سبحانك..
-هل هناك فرق في كل مرة حدثتني عن اللوحة ؟!
-نعم، فارق كبير، في كل مرة أفهم أكثر وتتضح لي الحقيقة أكثر، وأعرف سر وجودي في هذه الحياة، بل وسر الوجود والخلق..
-وعندما تعود أكثر ستعرف أكثر وترى أكثر، هذه اللوحة هي تشبيه للحقيقة، الناس جميعاً يقفون عندها، يرونها ولا يفهمونها، حينما بعث الأنبياء وتنور الصالحون كان هدفهم الاسمى توعية هؤلاء الناس بالحقيقة والغاية العظمى..
تخيل معي من مكاننا هذا، لو هناك أناس يقفون عند اللوحة، كيف ستتمكن من إفهامهم بما تراه ؟!
-سأناديهم ليسمعونني..
-أنت بعيد فكيف يسمعونك ؟!
-سأقترب وأحدثهم..
-لو اقتربت لن ترى الحقيقة كما تراها من هنا، ولو حدثتهم لم يصدقونك..
-سأحاول أن أفعل مثلما فعلت معي، أجذبهم قليلاً للوراء، أريهم الطريق وهم يكملون..
-أحسنت، وهذا ما فعله الأنبياء والصالحون، يدعوننا لأن نتحلى بالإيمان وهو سيقودنا إلى الطريق لرؤية الحقيقة..
-لدي سؤالٌ آخر..
-لا تتردد في أي سؤال..
-ممتن لك، أرى بعض النقاط المضيئة وبعض النقاط التي تومض في اللوحة، ماذا تعني ؟!
-سؤال جميل، دعنا نقترب..
اقتربنا من اللوحة مجدداً، آلاف النقاط بدأت تتكشف لي في اللوحة بين مضيئة ووامضة، وكأنني أرى مدينة كبرى من السماء تنير في ليلٍ بهيم..
-كل نقطة تمثل لغزاً وسراً كونياً وضعه الله سبحانه وينتظر منا اكتشافه، كل علمٌ اكتشفناه أصبح مضيئاً، وكل علم ينتظر اكتشافه يومض، وكأن يدعو صاحبه لأن يراه، كالمنارة في الجزيرة تهدي السفن..
-ماذا تقصد بصاحبه ؟!
-أقصد من وكله الله سبحانه بكشف هذا السر للبشرية، علاج للسرطان، اكتشاف الكهرباء، الطيران، كل ما اكتشفه البشر من قبل وما سيكتشفه البشر بعدها، وربما سبقنا في هذا الاكتشاف عوالم وخلق من قبلنا وتبقى دورنا لنحذو حذوهم..
لكل نقطة وامضة شفرة لن يحلها إلا من تتوافق معه، ستومض وتستدعيه، تأتيه في أحلامه وفي واقعه، تستدرجه إليها، تضخ فيه الحماس والأمل، تنير له ظلمة البحر ليأتي بسفينته إليها ويوقف وميضها وينيرها للعالم كله كي يرى معه ويستنير ويستفيد..
-ما أجمل وصفك وما أجملها لوحة، لقد وصفت الحقيقة بدقة..
-لا يزال لديك المزيد لتتعلمه، هناك نقاط تومض في هذه اللوحة تنتظرك، العالم ينتظرك، هذا قدرك..
جميل جدآ ومثيييييير …🌹🌹
ننتظر التتمة بشوق 😍
جميلة ..
بانتظار نزولها كاملة ..
نورتيني 🙏🏼 لا عدمت دعمك وبإذن الله أنتهي منها قريبا
هناك ثلاث تشويقات أخرى يسرني أن تقرأيها