الثانية صباحاً

يبدو أن هناك قريناً ما بداخلي يرتبط بالثانية بعد منتصف الليل، ساعة الاعترافات الصادقة كما أحب أن أسميها، لحظة تأمل ومراجعة قد تشفي ندبة ما في روحك أو تخسف بك لأعمق نقطة في محيط الاكتئاب فتنتظر أصبوحة فاتنة كي تنتشلك..

باليتة الألوان التي تعيد ترتيب قزحيتي كل صباح من الدور العاشر في مجمعنا السكني في ولاية جوهور قد دفعتني لأن أصمت أكثر إن لم يكن لدي ما يقال، أن أمنح بركتي للسلام الداخلي كي يشفيني، فعرفت سرّ العزلة التي يمارسها العارفون في أحضان الطبيعة..

اكتشفت الليلة أنني أُصبت بلعنة الكُتّاب، الكبرياء الذي يحول شغفك السابق للقراءة إلى عينٍ ناقدةٍ وعقلٍ مراهقٍ يرى في -عقله اللا واعي – كل كِتاب هو تهديد وكل كاتب هو منافس محتمل، فتبدأ في تصنيف الفنون والمدارس وتعامل من أمامك على إثر ذلك، وكلما قرأت نصّاً لا يدهشك تُبعث نعرتك من رمادها لتدعي أنك كنت لتكتب أفضل من ذلك..

لاحظت تسلل هذه اللعنة لروحي قبل فترة، فكنت أشير لأي صديق يتحدث عن مصطلح أو قضية معينة في صفحته، وأخبره – بحسن نية – بأنني قد كتبت سابقاً عن موضوعه فلعله يجد أفقاً أرحب، ويا الله كم كنت مخطئاً..

نظراً للباقة أصدقائي فلم ينبهني منهم أحد، بل غالباً ما يشكرونني على الإشارة والإضافة، لكنني وبفضل قرين الثانية بعد منتصف الليل استوعبت فداحة جرمي، فهذه المواضيع هي كالفيل الذي يصفه العميان، كالحوت الذي يتناقل أخباره سكان قرية ساحلية لم يسبق لهم أن رأوا كائناً بهذه الضخامة من قبل، سنتحدث جميعنا عن ذات المضمون وكلٌ بطريقته ونظرته، ولا يعني أن هناك كاتباً مهما عظم شأنه قد طوى الصفحة الأخيرة ولا يحق لأحدٍ بعده أن يتحدث..

سأقلع عن تلك العادات السيئة، لن أشير لأي صديق مجدداً في قصة أو مقال سابق، سأدعم ما يكتبونه بلا اشتراط، سأعامل الكُتّاب صغيرهم وكبيرهم -عمراً-كرفاق درب، فإن شاؤوا شاركتهم الرحلة والزاد وإن رغبوا في طريقهم الخاص فلا بأس، وسأعامل كل نصٍّ كقطعة حلوى ستكتمل بارتشافي قدح قهوة مع معزوفة ساكسفون أُلٌفت في ليلة ما، في الثانية بعد منتصف الليل..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s