قد يخطر ببالك اسم شخص حال قراءتك للعنوان، قد تتذكر مقولات فلسفية تخبرك بأن الإنسان عدو نفسه، وقد تتنزل على رأسك صواعق مخيفة تدميه ولا تعطيك مجالاً للأمل كالحروب والفساد والجهل والجوع والمرض..
سأخبرك -كما الفلاسفة بعد صمت ثوانٍ لأثير فضولك- بأن أسوأ عدو لك هو ذكرياتك السيئة..
يعتقد المنتمون لأديان مختلفة بأن الجحيم يقبع في باطن الأرض، لا تتحسس القاع بحثاً عنه ولا تحفر فلن تجد إلا آباراً ترويك وتروي جيوب الحكومات، إن ما أتحدث عنه هو في العمق، يتعدى موطن سكان جوف الأرض، الجحيم الحقيقي الذي خاضه دانتي في كوميديا الآلهة، ويقوده هيديس فيحكم على الأرواح بالتيه الأبدي،ولوسيفر حامل الضياء الذي يسجنك في أشنع ذكرياتك، علي أن أذكرك الآن بأننا في الإسلام نؤمن بأن الجنة والنار خارج عالمنا وأن خزنتها هم الملائكة رضوان ومالك لكنني أريد أن أبين صورة الجحيم كما يراها الآخرون..
في جحيم هيديس ولوسيفر تخوض الأرواح أشنع تجاربها، زنزانة هي عالم افتراضي، تعيش فيها ذكرى واحدة أو ذكريات هي من السوء بمكان فتمزقك، تخيل معي أبشع كوابيسك، تخيل أنك تعيشها مراراً وتكراراً في دائرة لا تنتهي، ثيمة (groundhog day) التي تحاول كسرها فلا تستطيع، تستيقظ كل صباح لتجد أنك في نفس اليوم، لا أمس، لا غد، فقط يوم وحيد يعيد نفسه بملل بينما يتذكر عقلك كل الأيام الماضية، لكنك هنا في الجحيم لن تتذكر، يختارون لك فقط ذكرى واحدة، بشعة، مقززة، مرعبة، ينقبون عنها في أعماقك فيستخرجونها ويجبرونك على عيشها مرة أخرى، وثانية، وعاشرة، وأبدية، إلى أن تلفظ روحك، عذراً سأذكرك مجدداً بأنه ليس هناك فرصة ثانية للموت فقد استنفذتها ولا مجال لك سوى مواجهة أشد أعدائك، ذكرياتك السيئة..
قبل عقد تقريباً كنت في غرفة عمليات اليوم الواحد، تقرر أن يمزقوا يدي، ويخنقا وريداً وشرياناً ببعضهما، كي تتوسع الدورة الدموية في يدي لتستطيع تحمل الغسيل الكلوي، كان الأطباء من جنسيات مختلفة عربية وآسيوية، أثناء الجراحة اختصموا باللغة الإنجليزية فيما بينهم، يدي التي لا أشعر بها بفعل التخدير ممددة كجذع خروف في مجزرة تنتظر ساطوراً يهوي عليها، فهمت -بحكم تخصصي- سبب خلافهم التافه وفوقيتهم على بعضهم، السخرية التي ملأت الأثير وكادت أن تكون يدي هي الضحية، الخيالات التي داهمتني وقتها، أنا في مركبة فضائية وهؤلاء غرباء رماديون يشرحونني وأنا على قيد الحياة، أنا في محكمة ويدي محكوم عليها بالإعدام تمزيقاً، أنا ممدد في منتصف طريق ناءٍ بعد حادث سيارة شنيع ويدي نفذت بجلدها مع باب السيارة إلى المسار المقابل، أنا أعيش بيد واحدة طبيعية ويدي الأخرى صناعية فأتحول إلى أندرويد هجين، أنا…، قطع خيالاتي ضحكات الأطباء العرب على زميلهم الهندي الذي أخطأ خياطة الجرح، تمنيت لو أن يدي قنبلة وقتها تنفجر دما في كبريائهم الماسخ..
هذه الذكرى السيئة قد أعيشها للأبد في جحيم باطن الأرض إن حكم على روحي بالتيه، وأنت قد تستبدل حجرة العمليات بمسرح جريمة كنت فيها تجسيداً للشيطان، ابتزازك لامرأة، سطوك على أموال الناس، خيانة صديق، إدمان استهلكك، اكتئاب يزورك كل دقيقة ليرجوك أن تنتحر وتخلص العالم من بؤسك..
لا يوجد جحيم في باطن الأرض، الجحيم في عقلك، الذكريات السيئة التي تستنزفك، وبرغم كل الذكريات الجميلة التي تشبه قوس المطر في ثنايا روحك لكنك اخترت العتمة بإرادتك، أنت من حكمت على نفسك بالهزيمة وسمحت لعدوك بأن ينتصر ويصيبك بالاكتئاب والموت، أنت من أدخلك إلى الجحيم..
هذه نافذة لك لتخرج، هلم إلينا فالعالم ينتظرك..
مقاله جميله
ربي يرضى عليك 🙏🏼
مخيلة رائقة ….. كما تفضلت ليس اسوأ من الجحيم الذي تضع نفسك فيه. كما يمكن ان تخرج منها و تنظر للخارج لعلك تلتقط الحياة ومباهجها.
لم يستوعب عقلي ذلك الخيال الذي كتبته ، حقاً شعور مخيف أن تجد نفسك في مكان تستيقظ فيه بنفس الذكرى ولأول مره أصور ذلك في خيالي، لابد لنا أن نكسر تلك القيود المدفونه في داخلنا .. سلمت يداك في كتابه هذه المقاله ، أبدعت ..
طاب يومك ..
مخيف جداً لأنها حلقة مرعبة لا تنتهي
دائما مبدع
اخذتني معك الى غرفة العمليات والله وشعرت بألمك لأني احبك
اتمنى لك العافية والصحة الدائمة .