دخل دكان جده العتيق ليعبث كالعادة .. لا يتجاوز عمره حينها العشر سنوات لكنه فضوله الذي يتجاوز عمره بكثير .. لم يترك صندوقا ولا (سيسانا) مرصعا بالزخارف إلا فتحه وفتش ما فيه ..
لمح صندوقا غريبا أسفل (قعادة) جده المهترئة وتمكن بجهد جهيد من إخراجها وفتحها ..
فاجأه عنوان الكتاب المصفر فأخذ يتهجؤه
( ش م س ال مع ارف )
لم يفهم شيئا فقلب في صفحاته ورأى الكثير من الجداول والحروف المقطعة والجمل المائلة والرأسية والأسماء الغريبة .. هز كتفيه ببراءة فأقفله وأعاده في الصندوق ودفعه ليستقر في مكانه وأكمل فضوله في تفتيش الدكان ..

***
دخل معلم التربية الإسلامية فصل الثالث متوسط يوم الأربعاء الحصة السادسة ..
جميع الطلاب متململون ويريدون الخروج من هذا المعتقل المسمى (مدرسة) ..
أشفق عليهم المعلم وأخبرهم أنه لا يوجد درس وسيكون الحوار مفتوحا لمن يريد أن يسأل ..
تجرأ أحدهم وسأل معلمه عن (الجن) فانفتحت السيرة ولم تتوقف ..
تقريبا كل الطلاب شاركوا بما يعرفونه من قصص وحكايات ..
عن بحارة ضاعوا في البحر بسببهم ..
وعن صبايا وفتية اختفوا تحت الأرض وسكنوا معهم في جبل الدقم وفرسان ..
وعن (البده) و(الجتيمة) والجن المتجسد في (البسس السوداء) ومن يخطفون المارة في الشوارع وأرجلهم مثل الحمير وعن أطفال الجن الذي يلهون في المنازل المهجورة ..
وعن من عشقوهم الجن وتزوجوا منهم ..
وعن المجانين الذين قرأوا (شمس المعارف) ولم يقدروا على تصريف الجن والشياطين ..

جلجل الاسم في ذهنه وهو يسمع ..
أين سمع عن هذا الكتاب من قبل ..
كانت أذنه تصغى لزملائه ومعلمه يتحدثون عنه وهو يعصر ذهنه ليتذكر ولكن محاولاته باءت بالفشل فأمعن التركيز في حديث معلمه ..
( هذا الكتاب ألفه ساحر اسمه البوني ويقول أنه يستحضر ملوك ورؤساء الجن لينفذوا أوامر الساحر لكن لو لم يقدر على صرفهم دخلوا فيه وأصابوا عقله بالجنون )
تذكر فجأة ورفع يده ..
– أستاذ .. أنا قرأته زمان عند جدي وما صار لي شيء ..
ابتسم المعلم وقال له
( طبعا هناك شروط .. لا بد أن تكفر بالله وبالقرآن وأن تذبح للشيطان أضاح سوداء وأن تكون نجسا وغير ذلك .. وإلا فهي طلاسم لن تفهم منها شيئا حتى لو اردت والله هو الحامي والحارس وعلينا أن نبتعد عن مثل هذه الأمور الكفرية فمن أتى ساحرا وصدقه فقد كفر )
تداخل أحد زملائه بقوله
( في حارتنا بيت قديم للشيخ عقيل وابنه عباس إمام جامعنا ويعلمنا القرآن .. البيت مهجور منذ توفى الشيخ وتفرق أبناؤه ويقال أنه كان لديه قدرة على التحكم في الجن .. ويقولون أن هناك نفقا من بيته لقلعة الجبل يمكن نلقى هناك شيء وحتى المكيفات التي بجانبه دائما ما تحترق )
هنا انطلق جرس الخروج من المدرسة مع تحذير معلمهم من الكتاب ومن الانسياق خلف السحر وألا يذهبوا للبيوت القديمة ..

***
تجمع الزملاء خارج المدرسة ولا تزال السيرة بينهم تأخذ الحيز الأكبر من النقاش واتفقوا على الذهاب حالا للبيت المهجور رغم تحذيرات معلمهم ( ومنذ متى يستمع المراهقون للنصائح والتحذيرات ^^ ) ..
التقوا عند دكان الشيخ عباس عقيل وكان عددهم يربو على الخمسة عشر فتىً يرجو المغامرة ويهوى كشف الغموض ..
داروا مع زميلهم في البيت لساعة تقريبا ولم يلحظوا سوى الخرابات والهدائم وبعض دلائل العلاقات الغير شرعية التي حدثت خفية في هذا المكان ..
اقترح عليه النزول للقبو وهم ما بين متخوف ومتعذر ومتحمس ..
نزلوا ودخلوا غرفة واسعة لا شيء فيها سوى خزانة صغيرة على شكل نافذة خشبية منحوتة في الجدار .. حاولوا فتحها مرارا فلم يتمكنوا وتبرع زميلهم ضخم الجثة بركلها فكسرها ورأوا بعض السيوف والكتب المتحللة ..
أخذهم الزهو وأسرعوا للأعلى لإبلاغ الشيخ بأنهم وجدوا كنزا في قبو بيتهم العتيق ..
ولم تمض دقائق معدودة ما بين توبيخ الشيخ لهم ومحاولتهم لشرح ما وجدوه وسر ذهابهم إلا والبيت يتهاوى وينهدم وصوت مرعب دوى في أذنهم من تساقط الحجارة والأخشاب ففروا جميعا إلى الشارع ودموعهم تسبقهم من شدة الفزع ووصلوا لأهاليهم بعد مشقة ولم يغمض لهم جفن إلا ب ( قطر الحديد ) ..

****
تذكر هذا المشهد جيدا وهو يتصفح نسخة الكترونية من الكتاب الشهير ( شمس المعارف ) ..
استحضر مبتسما التفسيرات العديدة المنطقية واللامنطقية لذلك اليوم بأن البيت هدم النفق كي لا يكتشفوه وأن الجن الذين يخدمون الشيخ عقيل هم من حموا كنزه وأن الكتاب الذي يحضرهم ويتحكم فيهم كان بالأسفل وأن وجود عدد كبير منهم أثر على أساسات البيت المتهاوي أصلا ..

لا زال على حاله لا يرى في الكتاب خطورة تذكر فهي طلاسم غير مفهومة رغم تحذير (فلان) و (علان) وحتى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وجد في بحثه عن معلومات شرحا وافيا لطريقة قراءة الكتاب وتطبيق تعاليمه في منتدى يهتم بالتعاليم الباطنية ..
حمل الكتاب في جهازه وأحضر قدحا من القهوة وبدأ يقرأ ..

تمت بحمد الله