لليوم الرابع على التوالي يلاحظه يقف بجوار مكتبته العتيقة في شارعهم الشعبي ..
وفي كل مرة يقوم فيها ليسأله ما باله ، لا يرى سوى غبار نعليه وهو شيخ كبير لا طاقة له بالجري ..
(غريب هذا الفتى .. هل يريد سرقتي !! وما حيلتي سوى بضع كتب قديمة ومجلات .. الحذر واجب ) ..
****
قرر التأخر قليلا بعد صلاة العصر ليفاجيء ذلك الفتى ..
وجده بالانتظار يروح ويجيء متوترا مكونا دوائر لا متناهية بخطواته ..
راقبه من بعد حتى لاحظ اليأس يدب في نفس الفتى فاقترب من محله ..
– السلام عليكم
أجابه الفتى بمزيج من الذهول والخوف
– و .. عليكم اسسسلام
– ما قصتك يا بني .. هل تريد شيئا من المكتبة
صمت وأدنى رأسه .. أيقن الشيخ بأن هناك ما يمنع الفتى من الدخول ، ربما كبرياء الفقر أو حرج الجهل ..
– تعال وساعدني رجاء
وكأن تلك الدعوة هي كل ما كان يحتاج إليه ..
أشار له بتفريغ صندوقين من الكتب والمجلات الجديدة وترتيبها في الرفوف العتيقة ..
استراح على كرسيه القديم وهو يراقب حماسة الفتى وابتسامته الواضحة ..
– هل تريد أن تساعدني كل يوم ..
هز الفتى رأسه إيجابا ..
– أجل يا عم أحمد ..
– ما اسمك ؟
– أبكر بن علي
تذكر مباشرة لمن تعود هذه الملامح ، علي أحد أبرز الرجال الشجعان والصيادين في حيهم الساحلي والذي فجعوا بوفاته قبل عامين في البحر ..
– خذ يا ولدي .. أعطها لأمك وأخبرها بأنك ستعمل معي يوميا بعد صلاة العصر .. شرطي الوحيد أن لا أفتقدك في المسجد ..
من قمة الفرحة نسي أن يشكر الشيخ وانطلق سريعا إلى أمه ..
****
أوقف سيارته ومر بجوار (البوفية) الجديدة في شارعهم القديم ممسكا يد حفيدته ذات الست سنوات ..
استرجع بغصة تلك التفاصيل القديمة للمكان ..
المكتبة التي عمل فيها مع الشيخ أحمد وتعلم فيها القراءة والكتابة والتهم مجلات ماجد والعربي الصغير والمنهل وغيرها والتحق بعدها بالمدرسة التي جمعت أبناء حيهم ..
لم يلحق شيخه بفرحة تخرجه من كلية المعلمين وتعيينه في نفس مدرسته ..
لا يزال محتفظا بكل الكتب التي تخلى عنها ورثة الشيخ بعد بيعهم للعقار بما فيه من محلات ومنها تلك المكتبة العتيقة ..
خاطب نفسه بألم ..
– في كل يوم يمر .. وكل تغيير في هذا الشارع ..
تمحى معه ذكريات أثيرة ..
مسح نظارته التي تبللت قليلا من دموعه .. اقترب بجانب (البوفية) ..
دنا على ركبتيه في البقعة التي كان يجلس عندها العم أحمد وأخرج كتابه الجديد من الكيس الذي يحمله ووقع إهداءا لروح شيخه ومعلمه ..
ألقى نظرة وداعية على المكان وعاد لسيارته ..
أخرجت حفيدته نسخة أخرى من الكيس وهي تحاول تهجئة عنوانه ..
( في شارع فيصل .. أيام خالدة )
الااه
ي سلام
مرة حبيتها
ي ريتني عشت فهالأماكن أكثر
ياريت الزمن يرجع 😔
😊💐💐 زمن جميل
😄