تم الإعلان عن وظائف في شركة للعلاقات العامة، الوظيفة الأولى هي مسؤول تنفيذي والوظيفة الثانية هي مدرب معتمد والوظيفة الثالثة هي عضو فريق مختص..
تقدم لها ثلاثة أشخاص، كلهم يحملون مؤهلا جيدا في العلاقات العامة وخبرة لا بأس بها، الأول يحمل شهادة الدكتوراة والثاني شهادة الماجستير والثالث شهادة البكالوريوس..
لو طلب منك تعيينهم حسب مؤهلاتهم، من ستختار لكل وظيفة ؟!
غالبا في مفهومنا السائد ستعطي الوظيفة الأعلى للشهادة الأعلى ثم توزع البقية وفق الشهادة، أي أن الحاصل على الدكتوراة سيكون مسؤولا تنفيذيا، والحاصل على الماجستير سيكون مدربا معتمدا وصاحب البكالوريوس سيكون عضوا في الفريق المختص..
لكن بالعودة إلى أصل المسميات أعلاه هل هذا التوزيع مناسب ؟!
دعونا نرى..
جميع التسميات مشتقة من أصل لاتيني ووصلت إلينا من اسمها الفرنسي الشائع بحكم التأثر بالاستعمار، البكالريوس من الأصل بكالوريا واستخدمت في اللاتينية قديما للتعبير عن الأعزب الذي لم يتزوج بعد – ولا يزال هذا المصطلح موجودا في اللغة الانجليزية فنطلق على الأعزب بأنه Bachelor- وفي القرن الثالث عشر كان يطلق على الفرسان الذين لم يحصلوا على أعلام تميزهم والتي لا تكتسب إلا بالخبرة والقتال، ثم بعد تدريبهم وممارسته يحصل على (إجازة) من مجمع الفرسان، بمعنى أنه أجيز كفارس معتمد..
لنأخذ الفارس كمثال أيضا في تفسير درجة الماجستير، هي كلمة فرنسية أيضا Magister، تعني في اللغة الإنجليزية master، وهذه الكلمة لها معانٍ كثيرة تدور حول الشخص الذي وصل لمرحلة عالية جدا في تخصصه فأصبح متمكنا في ذات التخصص، وقد أطلقت في السابق على السحرة المرتبطين ببلاط الحكم والقضاة وأسياد الأراضي من النبلاء، وتعريفها الأصلي يعني السيد والمتمكن والعارف والعالم والقائد، لذلك حينما يصل الفارس للتمكن من فنون الفروسية سيستحق لقب الماستر..
في الدكتوراة-غالبا- سيكون نفس الفارس بما يكتنزه من مهارات اكتسبها عبر السنين قادرا على توصيلها للفرسان الصغار والطلاب، بما أن جسده لا يقوى على القتال فيتولى التدريس، من هنا جاء المصطلح الشهير تهكما بالمعلمين
(الذين لم تعد لديهم قدرة، يقومون بالتدريس) –
(Those who can’t do, teach)،
فالخبير في مجال ما والذي وصل لمرحلة من العلم ينبغي فيه عليها أن يمرره للآخرين يطلقون عليه دكتور من الأصل اللاتيني doctoris ويعني المعلم، ويتدرج في علمه إلى أن يصبح فيلسوفا في مجاله وهذا ما نراه في درجة الأستاذية في مجتمعنا بمسمى Ph.D أي الدكتوراة في الفلسفة، حيث أن الفلسفة هنا جامعة للفنون والعلوم بمعناها القديم..
نعيد ما سبق باختصار..
يتعلم الشخص حتى يجيد العلم فيكون كمن يبحث عن (بكالوريوس) ثم يجيده تماما ويتقنه ويتفوق فيه فيصبح (ماستر/ ماجستير) ثم يتعمق أكثر ويتولى تعليمه فيصبح (دكتور) وبعدما يصل لدرجة عالية علميا يطلق عليه (فيلسوف)..
لذلك أبرز المؤهلين للتدريس والبحث العلمي هو الحاصل على الدكتوراة، وأبرز المؤهلين للقيادة والعمل هو الحاصل على الماجستير..
الخلط الحاصل في مجتمعاتنا حاليا يؤكد عدم فهمنا للهدف من هذه الدرجات العلمية، فدوما نعين المسؤولين من وزراء ومدراء وأعضاء المجالس القيادية من حملة درجة الدكتوراة، مع أن أغلبهم أفنى عمره في البحث والتحصيل بعيدا عن مجاراة الواقع من حوله، ينطبق ذلك تماما على الأطباء الذين يتولون مناصب إدارية بدون تأهيل مناسب – كسنة دراسية متخصصة في الجودة وإدارة المرافق الصحية على سبيل المثال، وينطبق ذلك أيضا على المعلمين حيث أن تقدمهم لدرجات الماجستير والدكتوراة مهم لفائدة طلابنا لكن الوزارات لا تريد ذلك لأنه يكلفهم ماديا في نظرة قاصرة منهم بدون النظر للصورة الأشمل ..
بينما في الغرب تجد أغلب الرؤساء التنفيذيين للشركات يحوزون درجة الماجستير في إدارة الأعمال أو الاقتصاد مثلا، ويلاحظ ذلك جليا في الكم الكبير من الأمريكان الذين يسعون لدرجة الماجستير كي تؤهلهم للعمل في شركات كبرى ومناصب أفضل، وقلة الباحثين عن الدكتوراة مالم يكن لهم طموح في التدريس أو البحث العلمي في الجامعات والمنشآت الحكومية والعسكرية والخاصة..
أخيرا- وجهة نظر :
حصولك على البكالوريوس أساسي في هذا العصر التنافسي، حصولك على الماجستير مهم كي تتمكن من تخصصك وعملك وتتقدم وظيفيا، أما حصولك على الدكتوراة فهو ترف طالما لا تنوي به التدريس في الجامعات أو التخصص في البحث العلمي..