شعر، قصة ورواية

ترددت كثيراً قبل الكتابة لأنني لا أريد خسارة أحد، لكن شعرت بضرورة التعبير عن رأيي كقارئ ومتذوق قبل أن أتحدث بصفتي هاويٌ لديه بعض المحاولات القصصية ولا يزال لديه الكثير ليتعلمه ويقدمه..

حديثي هو عن الشعر والقصة كصنفين أدبيين يقومان مقام المركبة النورانية التي تحمل أرواحنا وعقولنا إلى آفاق أرحب، وفي كل مرة سيتغير قائد المركبة وتتغير الوجهة معه سواء في الشعر أو القصة وفي كل الرحلات سنستمتع ..

أما الرواية فهي تقوم مقام القصة ولكن على نطاق أوسع وميزتها أنك تستطيع ضخ الكثير من التأملات والرؤى والأفكار والنظريات والخيالات والمواقف وحتى الحقائق العلمية والتاريخية على ألسنة شخصياتها..

أما الشعر فكل قصيدة تحمل التقاطة ووصف لمشهد معين وتتلاعب بالمعاني واللغة كما يتعامل الصائغ مع الذهب المشغول، فنرى القصيدة أشبه بلوحة فنية واقعية أو خيالية..

ونأتي للقصائد الحديثة كشعر النثر أو الشعر الحر التي تشبه اللوحات التجريبية الحديثة في غموض المعنى وعمقها..

أين الخلاف هنا ؟!الخلاف في وجهة نظري غير المتخصصة وقع حينما أدرك بعض الشعراء أن بإمكانهم تحويل شعرهم الحر أو نصوصهم إلى قصص، فأصبحت القصص التي نقرؤها لهم عبارة عن نصوص غامضة ليس لها بداية ولا نهاية ولا شخصيات ولا أحداث..

وصفق النقاد لهذا الأسلوب الجديد وقرروا أن القصة بشكلها المعروف لم تعد صالحة للنقد، وأن (السرد) وهو المسمى الجديد والذي ترجموه من (narrative) ينبغي أن يكتب بلغة شعرية، وهذا فتح المجال للعديد من الشعراء الموهوبين لأن يجربوا موهبتهم في مجال آخر، وبعضهم نجح باقتدار في المواءمة فكتب بطريقة سلسة انسيابية وضخ الحياة في شخوصه وغاص في ثنايا العقل البشري واستنطق الروح فأنتج قصصاً رائعة، أما البعض الآخر وهم الأغلب فقد اكتفى بنصوص لا ندري هل هي شعر أم قصة أم خاطرة..

ستجدون في المكتبات حالياً خمسة أنواع من الكتب:الجيد منها :ديوان شعر متنوع بين قصيدة عمودية وشعر حر..

رواية أو مجموعة قصصية متطورة بها قصص بلغة فخمة وتحمل مغزى ومعنى وفكرة..

نصوص تحمل تأملات عميقة وتحمل روح الشعر والقصة والخاطرة، أعجبني أنهم سموها بإسمها الصريح (نصوص) ..

والغريب منها :ديوان شعر على شكل قصص، وقصص على شكل نصوص وخواطر، وخواطر على شكل شعر، ورواية تجمع كل ما سبق، واختلط الحابل بالنابل فلا ندري ماذا يريد الكاتب، فنقرر إقفال الكتاب بعد عدة صفحات وصل معنا فيها الملل والحيرة لأقصى حد..

وآخر نوع هو الروايات المبتذلة والقصص القصيرة الركيكة والدواوين الشعبية التي إما أصدرها موهوب استعجل على نفسه أو مغمور يريد الشهرة أو مشهور يريد استغلال شهرته..

والعجيب أن النوعان الأخيران هما الغالبية العظمى في المكتبات..

أحمّل كما حمّل الكثير مجتمعنا الثقافي والأدبي مسؤولية ما حصل، بتحجيمهم فنون الشعر والقصة والرواية على النطاق النخبوي البحت، وبحث الشعراء والروائيين على رضا النقاد والنخب، وبعد أن رأوا انزياح المشهد العام عنهم عادوا بإصدارات عدة لم تساهم ولو لقيد أنملة في تحفيز الناس على القراءة..

أخيراً:هذا رأيي كقارئ لا غيرالقصة تبقى هي القصة (والرواية أيضاً)والشعر يبقى هو الشعروالخاطرة تبقى خاطرةإن استطعت التخصص وتطويع موهبتك وإنتاج عمل يستحق الإشادة من الجميع فأنت في الطريق السليم..

لا تخلطوا وتتخبطوا ارحموا ذائقتنا ولا تقتلونا بالملل..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s