ندّاهة.. (من الأساطير الجيزانية)

في منتصف حقل الذرة، والليل يتثائب كحارسٍ كهل على بوابة مقبرة ينتظر استيقاظ الديكة، وقف (فواز) جاحظ العينين ويردد بلا انقطاع:

” فاطم، … فاطم حسن،… فاطم..” قبل أن تمتد يدٌ فاتنة لكتفه وتسحبه إليها بلا حول له ولا قوة منقادًا كشاة في يوم النحر..

****

-“فاطم حسن..

اختلفت الروايات حولها، ولكنني أذكر أن ابن عمي حكى لنا أنها جنية فائقة الجمال وأنها ابنة (حسين مسفر جحفان) ملك الجن في الجبل الذي نراه في أفق قريتنا، لقد أحبت شابًا من البشر وهربت معه، ولكن أعوان والدها أدركاهما وصلبوا الشاب ثم خيّر أهل قريته بين الرحيل أو حرقهم أحياء..

وحكم والدها عليها بأن تبقى معلقة بين عالمي الجن والبشر إلى أن تتوب، لكنها رفضت عندنا علمت أن الشاب الذي أحبته هو من أخبر والدها بحبهما لأنه خاف من بطشه، فقررت أن تنتقم من الذكور وألا تعود للجبل إلا بعد أن تردم الحفرة التي في قلبها من دماء ذكور البشر، وأيضًا قال لي ابن عمي أنها…”

-مهلًا مهلًا يا (حاتم)، ألا يروق لك رواية هذه القصص الأسطورية إلا في الليل، لم تعد تخيفني أفلام الرعب بالمناسبة ولكن تنتابني قشعريرة من ذكر أساطير جيزان..

قاطعه (حاتم):

-(فواز)، لولا أنك تُصِرّ في كل مرة على دفع حساب المقهى وإلا لما رافقتك، (مكّي) أنت شاهد على الوضع، هل ترضى أن يقاطعني (فواز) في كل مرة..

رد (مكّي) بعد نفس عميق:

-(حاتم)، أنت لا يحلو لك الكلام إلا بعد أن يبدأ تأثير (المعسل)، ونحن لا يحلو لنا الجو إلا بالتندر على خرافاتك..

ضحك (فواز) و(مكي) وسط حنق (حاتم)..

-(أنور) قل شيئًا.. هل يرضيك هذا التنمر؟!

كان صوت ضحكة (أنور) لافتًا للحد الذي انتبه إليه مرتادي المقهى وساد الصمت فجأة، فعدّل من جلسته والتفت لأصدقائه وقال:

-هل سمعتم من قبل عن (أم الدويس)؟!

وجمت ملامحهم، وكذلك أصغى روّاد المقهى السمع بفضول يرتدي الخوف، وكأن (أنور) دكتاتور دولة يخشى شعبه أن يتنفس أثناء حديثه فيلقون حتفهم..

-الرعب المتوارث يا أصدقائي، ما الذي يجمع بين كل تلك السرديات التي تصب على مسامع الاطفال كالنحاس المغلي كل ليلة كيلا يخرجون بعد غروب الشمس؟!

(أبو كلبان) عندنا يشبه قصص المستذئبين في العالم، (امجتيمة) هي (لاميا) في الأساطير الفينيقية و(لالورنا) في أساطير المكسيك..

كذلك قصص (أم الدويس) في أساطير شعوب الخليج و(عيشة القنديشة) في المغرب و (النداهة) في مصر و (ذات الفم المشقوق) في اليابان)، و(شبح المرأة البيضاء) في أوروبا وحتى (أم الصبيان) في تهامة..

قصص المرأة الجميلة التي قُتلت بسبب خيانة، وأصبحت سيدة العالم السفلي وعادت للانتقام من الرجال على هيئة شبح يغويهم بمناداة أسمائهم في حقل زراعي أو في وسط بحيرة لكي تلتهمهم..

(فاطم حسن) ليست استثناء، مجرد أسطورة تصلح لليالي السمر كهذه ولكن على تبة رملية وليس في مقهى مزدحم كهذا..

لوهلة استوعب الكل أنهم في مقهى، عادت الحياة للمشهد، توحدت ثيمة النقاش في كل الجلسات وسيطرت قصص الجن وأساطير الطفولة على حساب الرياضة والسياسة لأول مرة..

رأيان حول “ندّاهة.. (من الأساطير الجيزانية)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s